موسى، وأشار إلى أنه -صلى الله عليه وسلم- قالها للتبرّك، لا للاستثناء. قال الحافظ: وهو خلاف الظاهر.
(لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ)؛ أي: محلوف يمين، فأطلق عليه لفظ "يمين"؛ للملابسة، والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه، فهو من مجاز الاستعارة، ويجوز أن يكون فيه تضمين، فقد وقع في رواية:"على أمر"، ويَحْتَمِل أن تكون "على" بمعنى الباء، فقد وقع في رواية النسائيّ:"إذا حلفت بيمين"، ورُجّح الأول بقوله:"فرأيت غيرها خيرًا منها"؛ لأن الضمير في "غيرها" لا يصحّ عوده على اليمين.
وأجيب بأنه يعود على معناه المجازيّ للملابسة أيضًا.
وقال ابن الأثير في "النهاية": الحلف هو اليمين، فقوله:"أحلف"؛ أي: أعقد شيئًا بالعزم والنيّة، وقوله:"على يمين" تأكيد لعقده، وإعلامٌ بأنه ليست لغوًا.
قال الطيبيّ: ويؤيّده رواية النسائيّ بلفظ: "ما على الأرض يمين أَحلِف عليها … " الحديث، قال: فقوله: "أحلف عليها" صفة مؤكّدة لليمين، نحو أمسِ الدابرُ لا يعودُ؛ أي: فإني لا أحلف على حلف، قال: والمعنى: لا أحلف يمينًا جزمًا، لا لغو فيها، ثم يظهر لي أمرٌ آخر يكون فعلُه أفضلَ من المضيّ في اليمين المذكور إلا فعلته، وكفّرت عن يميني، قال: فعلى هذا يكون قوله: "على يمين" مصدرًا مؤكّدًا لقوله: "أحلف"، أفاده في "الفتح"(١).
(ثُمَّ أَرَى خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأتيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ") أخذ النسائيّ رحمه الله من هذه الرواية جواز الكفّارة قبل الحنث، فترجم عليه، فقال: "الكفّارة قبل الحنث"، لكن تعقّبه السنديّ، فقال: فيه أن التقديم اللفظيّ لا يدلّ على التقديم المعنويّ، والعطف بالواو لا يدلّ على الترتيب، فيجوز أن يكون المتأخّر متقدّمًا، نعم قد يُقال: الأمر في الرواية الآتية لا دلالة له على وجوب تقديم الحنث، كما لا دلالة له على وجوب تقديم الكفّارة، ومقتضى
(١) راجع: "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٤٣٩ للطيبيّ رحمه الله، و"الفتح" ١٥/ ٤٠٩ - ٤١٠، رقم (٦٧٢١).