للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ووقع في الرواية التالية زيادة قول أبي موسى -رضي الله عنه- لأصحابه: "والله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، يعني في منعهم أوّلًا، وإعطائهم ثانيًا إلى آخر القصّة. قال القرطبيّ رحمه الله: فيه استدراك جبر خاطر السائل الذي يؤدّب على الحاجة بمطلوبه إذا تيسّر، وأن من أخذ شيئًا يَعلَم أن المعطي لم يكن راضيًا بإعطائه، لا يُبارك له فيه.

(فَأَتَوْهُ، فَأَخْبَرُوهُ) وفي رواية: قَالَ أَبُو مُوسَى: "فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ"، وفي رواية: "فرجعنا، فقلنا: يا رسول الله أتيناك نستحملك، فحلفت أن لا تحملنا، ثم حملتنا، فظننا، أو فعرفنا أنك نسيتَ يمينك، قال: انطلقوا، فإنما حملكم الله … ".

(فَقَالَ: "مَا أنَا حَمَلْتُكُمْ، وَلَكِن اللهَ حَمَلَكُمْ) قال العلماء: المراد بذلك إزالة المنّة عنهم، وإضافة النعمة لمالكها الأصليّ، ولم يُرد أنه لا صنع له أصلًا في حملهم؛ لأنه لو أراد ذلك ما قال بعد ذلك: "لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها، إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت".

وقال المازريّ: معناه أن الله تعالى أعطاني ما حملتكم عليه، ولولا ذلك لم يكن عندي ما أحملكم عليه.

وقيل: يحتمل أنه كان نسي يمينه، والناسي لا يُضاف إليه الفعل.

ويردّه التصريح بقوله: "والله ما نسيتها"، كما سيأتي عند مسلم. وقيل:

المراد بالنفي عنه، والإثبات لله الإشارةُ إلى ما تفضّل الله به من الغنيمة المذكورة؛ لأنها لم تكن بتسبّب من النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا كان متطلّعًا إليها، ولا منتظرًا لها، فكان المعنى: ما أنا حملتكم لعدم ذلك أوّلًا، ولكن الله حملكم بما ساقه إلينا من هذه الغنيمة، أفاده في "الفتح" (١).

وقال القاضي عياض: ويجوز أن يكون أُوحي إليه أن يحملهم، أو يكون المراد دخولهم في عموم من أمر الله تعالى بالقَسْم فيهم، والله أعلم. انتهى (٢).

(وَإِنِّي وَاللهِ -إِنْ شَاءَ اللهُ-) قال أبو موسى المدينيّ في كتابه "الثمين في استثناء اليمين": لم يقع قوله: "إن شاء الله" في أكثر الطرق لحديث أبي


(١) راجع: "الفتح" ١٥/ ٤١١.
(٢) راجع: "شرح النوويّ" ١١/ ١١٠.