للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جماهير العلماء، لكن قالوا: يستحبّ كونها بعد الحنث، واستثنى الشافعيّ التكفير بالصوم، فقال: لا يجوز قبل الحنث؛ لأنه عبادة بدنيّة، فلا يجوز تقديمها على وقتها؛ كالصلاة، وصوم رمضان، وأما التكفير بالمال، فيجوز تقديمه كما يجوز تعجيل الزكاة. واستثنى بعض أصحابنا حنث المعصية، فقال؛ لا يجوز تقديم كفّارته؛ لأن فيه إعانة على المعصية، والجمهور على إجزائها كغير المعصية.

وقال أبو حنيفة، وأصحابه، وأشهب المالكيّ: لا يجوز تقديم الكفّارة على الحنث بكلّ حال. ودليل الجمهور ظواهر هذه الأحاديث، والقياس على تعجيل الزكاة. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (١).

وقال في "الفتح": قال ابن المنذر: رأى ربيعة، والأوزاعيّ، ومالك، والليث، وسائر فقهاء الأمصار غير أهل الرأي أن الكفارة تجزئ قبل الحنث، إلا أن الشافعيّ استثنى الصيام، فقال: لا يُجزئ إلا بعد الحنث. وقال أصحاب الرأي: لا تجزئ الكفّارة قبل الحنث. ونقل الباجيّ عن مالك وغيره روايتين، واستثنى بعضهم عن مالك الصدقة، والعتق، ووافق الحنفيّة أشهب من المالكيّة، وداود الظاهريّ، وخالفه ابن حزم، واحتجّ لهم الطحاويّ بقوله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} الآية [المائدة: ٨٩]، فإن المراد إذا حلفتم، فحنِثتم، وردّه مخالفوه، فقالوا: بل التقدير: فأردتم الحنث، وأولى من ذلك أن يقال: التقدير أعمّ من ذلك، فليس أحد التقديرين بأولى من الآخر.

واحتجّوا أيضًا بأن ظاهر الآية أن الكفّارة وجبت بنفس اليمين. وردّه من أجاز بأنها لو كانت بنفس اليمين لم تسقط عمن لم يحنث اتفاقًا.

واحتجّوا أيضًا بأن الكفّارة بعد الحنث فرضٌ، وإخراجها قبله تطوّعٌ، فلا يقوم التطوّع مقام الفرض.

وانفصل عنه من أجاز بأنه يشترط إرادة الحنث، وإلا فلا يجزئ، كما في تقديم الزكاة. وقال عياض: اتفقوا على أن الكفّارة لا تجب إلا بالحنث، وأنه يجوز تأخيرها بعد الحنث، واستحبّ مالكٌ، والشافعيّ، والأوزاعيّ،


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ١٠٨ - ١٠٩.