وجمع بعضهم بأن الآية تكرر نزولها في القضيّتين، وفيه نظر لا يخفى والذي يظهر لي أن ذكر سعد بن معاذ في هذه الرواية غلطٌ، وهو الذي ارتضاه الحافظ، واحتجّ له بما رَوَاه ابن المنذر في "تفسيره" من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - في هذه القصّة، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله هو جاري … الحديث.
فقال الحافظ: وهذا أشبه بالصواب؛ لأن سعد بن عبادة من قبيلة ثابت بن قيس، فهو أشبه أن يكون جاره من سعد بن معاذ؛ لأنه من قبيلة أخرى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: رواية ابن المنذر، في سندها سعيد بن بشير، والأكثرون على تضعيفه، وقال عنه في "التقريب": ضعيف، وانظر ما قاله الأئمة فيه في "التهذيب".
والحاصل أن نكارة ذكر سعد بن معاذ مما لا شكّ فيه، ولم يُذكَر إلا في رواية حماد بن سلمة هذه، فقد روى هذا الحديث عن ثابت سليمانُ التيميّ، وسليمانُ بن المغيرة، وجعفرُ بن سليمان، عند المصنّف، فلم يذكروا سعد بن معاذ، بل ذكروه بلفظ رجل، أو نحوه، كما بيّنه المصنّف عقب كلّ الروايات، والظاهر أن المصنّف يرى تفرّد حماد بن سلمة بهذه الزيادة، وهو وإن كان أثبت مَن روى عن ثابت، إلا أن الوهم قد يعتري الحافظ، ولا سيّما مع مخالفة هؤلاء الثلاثة له.
وقد أخرج البخاريّ في "صحيحه" من رواية موسى بن أنس عن أنس - رضي الله عنه -، وذكره بلفظ رجل أيضًا.
فتحصّل من هذا كله أن نكارة ذكر سعد بن معاذ في هذه الرواية هي الواضحة، فالحقّ أنه إما سعد بن عبادة، كما في رواية سعيد بن بشير، ومال إليها الحافظ، وإن كان فيها مقال، أو رجل آخر، فتنبّه، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وقد رَوَى الطبريّ، وابن مردويه من طريق زيد بن الحباب، حدثني أبو
(١) "الفتح" ٦/ ٧١٧ - ٧١٨ "كتاب المناقب" رقم الحديث (٣٦١٣).