والتجبّر، وغير ذلك (١). (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الْإِسْلَامِ) أي بدخوله فيه ظاهرًا وباطنًا، كما أمره الله عزَّ وجلَّ بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨)} [البقرة: ٢٠٨](فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا) أي بالأعمال التي عملها في الجاهليّة؛ لأن الإسلام يَجُبّ ما قبله، كما قال سبحانه وتعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} الآية [الأنفال: ٣٨](وَمَنْ أَسَاءَ) أي بأن دخل في الإسلام ظاهرًا، ولم ينشرح له صدره (أُخِذَ) بالبناء للمفعول (بِعَمَلِهِ) مفرد مضاف، فيعمّ، أي بجميع ما عمله (فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ") قال النوويّ: الصحيح في معنى الحديث: ما قاله جماعة من المحققين: أن المراد بالإحسان هنا الدخول في الإسلام بالظاهر والباطن جميعًا، وأن يكون مسلمًا حقيقيًّا، فهذا يُغْفَر له ما سَلَفَ في الكفر بنص القرآن العزيز، والحديث الصحيح:"الإسلام يَهْدِم ما قبله"، وبإجماع المسلمين، والمراد بالإساءة عدم الدخول في الإسلام بقلبه، بل يكون مُنقادًا في الظاهر مُظهرًا للشهادتين، غير معتقد للإسلام بقلبه، فهذا منافق باقٍ على كفره بإجماع المسلمين، فيؤاخذ بما عَمِل في الجاهلية قبل إظهار صورة الإسلام، وبما عَمِل بعد إظهارها؛ لأنه مُسْتَمِرّ على كفره، وهذا معروف في استعمال الشرع، يقولون: حَسُنَ إسلام فلان، إذا دَخَل فيه حقيقةً بإخلاص، وساء إسلامه، أو لم يَحسُن إسلامه، إذا لم يكن كذلك، والله تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ.
وقال القرطبيّ: يعني بالإحسان هنا: تصحيح الدخول في دين الإسلام، والإخلاص فيه، والدوام على ذلك، من غير تبديل، ولا ارتداد، والإساءة المذكورة في هذا الحديث في مقابلة هذا الإحسان هي الكفر، والنفاق، ولا يصحّ أن يُراد بالإساءة هنا ارتكاب سيئة ومعصية؛ لأنه يلزم عليه أن لا يَهدِم الإسلام ما قبله من الآثام إلا لمن عُصِم من جميع السيّئات إلى الموت، وهو باطلٌ قطعًا، فتعيّن ما قلناه.
والمؤاخذة هنا هي العقاب على ما فَعَله من السيّئات في الجاهليّة، وفي