حال الإسلام، وهو المعبّر عنه في الرواية الأخرى بقوله:"أُخذ بالأول والآخر"، وإنما كان كذلك؛ لأن إسلامه لَمّا لم يكن صحيحًا، ولا خالصًا لله تعالى لم يَهدِم شيئًا مما سبق، ثم انضاف إلى ذلك إثم نفاقه، وسيئاته التي عملها في حال الإسلام، فاستحقّ العقوبة عليها، ومن هنا استحقّ المنافقون أن يكونوا في الدَّرْك الأسفل من النار، كما قال الله تعالى. انتهى كلام القرطبيّ (١)، وهو تحقيقٌ حسنٌ.
وقال في "الفتح": قال الخطّابيّ: ظاهر هذا الحديث خلاف ما أجمعت عليه الأمّة أن الإسلام يجُبّ ما قبله، وقال تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} الآية [الأنفال: ٣٨]، قال: وجه هذا الحديث أن الكافر إذا أسلم لم يؤاخذ بما مَضَى، فإن أساء في الإسلام غايةَ الإساءة، ورَكِبَ أشدّ المعاصي، وهو مستمر على الإسلام، فإنه إنما يؤاخذ بما جناه من المعصية في الإسلام، ويُبَكَّت بما كان منه في الكفر، كأن يقال له: ألست فعلتَ كذا، وأنت كافر، فهلا مَنَعَك إسلامك عن معاودة مثله؟. انتهى ملخصًا.
وحاصله أنه أَوَّل المؤاخذة في الأول بالتبكيت، وفي الآخِر بالعقوبة، والأَولى قول غيره: إن المراد بالإساءة: الكفر؛ لأنه غاية الإساءة، وأشدّ المعاصي، فإذا ارتدّ، ومات على كفره كان كمن لم يُسلم، فيعاقَب على جميع ما قدّمه، وإلى ذلك أشار البخاريّ بإيراد هذا الحديث بعد حديث "أكبر الكبائر: الشرك"، وأورد كُلًّا في أبواب المرتدين.
ونَقَلَ ابنُ بطال عن المهلب، قال: معنى حديث الباب: من أحسن في الإسلام بالتّمَادي على محافظته، والقيام بشرائطه، لم يؤاخذ بما عَمِل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام: أي في عَقْده بترك التوحيد، أُخذ بكل ما أسلفه، قال ابن بطال: فعرضته على جماعة من العلماء، فقالوا: لا معنى لهذا الحديث غير هذا، ولا تكون الإساءة هنا إلا الكفر؛ للإجماع على أن المسلم لا يؤاخذ بما عَمِل في الجاهلية، وبه جزم المحبّ الطبريّ.