ونقل ابن التين عن الداوديّ: معنى مَن أحسن: مات على الإسلام، ومن أساء: مات على غير الإسلام.
وعن أبي عبد الملك البونيّ: معنى من أحسن في الإسلام: أي أسلم إسلامًا صحيحًا، لا نفاق فيه، ولا شك، ومن أساء في الإسلام: أي أسلم رياءً وسمعةً، وبهذا جزم القرطبيّ.
ولغيره: معنى الإحسان: الإخلاصُ حين دخل فيه، ودوامه عليه إلى موته، والإساءة بضد ذلك، فإنه إن لم يُخلص إسلامَهُ كان منافقًا، فلا ينهدم عنه ما عَمِلَ في الجاهلية، فيضاف نفاقه المتأخر إلى كفره الماضي، فيعاقب على جميع ذلك.
قال الحافظ بعد ذكر ما تقدّم كلّه: حاصله أن الخطابيّ حَمَلَ قوله: "في الإسلام" على صفة خارجة عن ماهية الإسلام، وحمله غيره على صفة في نفس الإسلام، وهو أوجه.
قال: وفي "كتاب السنة" لعبد العزيز بن جعفر، وهو من رؤوس الحنابلة، ما يَدْفَع دعوة الخطابي وابن بطال الإجماع الذي نقلاه، وهو ما نُقِلَ عن الميمونيّ، عن أحمد أنه قال: بلغني أن أبا حنيفة يقول: إن من أسلم لا يؤاخذ بما كان في الجاهلية، ثم رَدّ عليه بحديث ابن مسعود، ففيه أن الذنوب التي كان الكافر يفعلها في جاهليته، إذا أصرَّ عليها في الإسلام، فإنه يؤاخذ بها؛ لأنه بإصراره لا يكون تاب منها، وإنما تاب من الكفر، فلا يسقط عنه ذنب تلك المعصية؛ لإصراره عليها، والى هذا ذهب الْحَلِيميّ من الشافعية، وتأول بعض الحنابلة قوله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: ٣٨]، على أن المراد ما سَلَفَ مما انتَهَوْا عنه، قال: والاختلاف في هذه المسألة مبنيّ على أن التوبة هي الندم على الذنب، مع الإقلاع عنه، والعزم على عدم العود إليه، والكافر إذا تاب من الكفر، ولم يَعْزِم على عدم العود إلى الفاحشة، لا يكون تائبًا منها، فلا تسقط عنه المطالبة بها.
والجواب عند الجمهور: أن هذا خاصّ بالمسلم، وأما الكافر فإنه يكون بإسلامه كيوم ولدته أمه، والأخبار دالّة على ذلك، كحديث أُسامة - رضي الله عنه - لَمّا