للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مبيّن لعدده، وإنما ذكّره؛ لأن المعدود لم يُذكر بعده، كما أسلفناه غير مرّة.

قال القرطبيّ - رحمه الله -: ظاهره أنه اعتَبَر عدد أشخاصهم دون قيمتهم، وإنما فَعَل ذلك لتساويهم في القيمة والعدد، فلو اختلفت قيمتهم لم يكن بُدٌّ من تعديلهم بالقيمة؛ مخافة أن يكون ثلثهم في العدد أكثر من ثلث الميت في القيمة، ولو اختلفوا في القيمة أو في العدد لَجُزِّئوا بالقيمة، ولعَتَق منهم ما يُخرجه السهم، وإن كان أقلّ من ثلث العدد، وكيفية العمل في ذلك مفصّلة في كتب أئمتنا. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ من أن قيمتهم متساوية محلّ نظر؛ إذ ليس في الحديث ما يدلّ عليه، فتأمل بالإمعان، والله تعالى أعلم.

(ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ) يقال: أقرعت بينهم إقراعًا: هيّأتُهم للقُرعة على شيء، قاله الفيّوميّ - رحمه الله - (٢). (فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً) قال القرطبيّ - رحمه الله -: هذا نصٌّ في صحَّة اعتبار القرعة شرعًا، وهو حجَّة للجمهور: مالك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق على أبي حنيفة حيث يقول: إنه يَعْتق من كل واحد منهم ثلثه، ولا يُقرع بينهم، وهذا مخالف لنصّ الحديث، ولا حجَّة له بأن يقول: إن هذا الحديث مخالف للقياس، فلا يُعمل به؛ لأنا قد أوضحنا في الأصول أن القياس في مقابلة النصّ فاسد الوضع، ولو سلَّمنا: أنه ليس بفاسد الوضع لكانا كالدليلين المتعارضين، وحينئذٍ يكون الأخذ بالحديث أولى؛ لكثرة الاحتمالات في القياس وقلّتها في الحديث، كما بيّناه في الأصول. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ - رحمه الله - من فساد وضع القياس عند معارضته للحديث الصحيح هو الحقّ الحقيق بالقبول، وما عداه باطل مردود مخذول، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد.

(وَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا)؛ أي: أغلظ له القول، حيث قال - صلى الله عليه وسلم - لمّا بلغه


(١) "المفهم" ٤/ ٣٥٦.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٤٩٩.
(٣) "المفهم" ٤/ ٣٥٦.