للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ورُوي ذلك عن ابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز رحمهم الله تعالى. قال أبو الزناد: قتلنا بالقسامة، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون، إني لأراهم ألف رجل، فما اختلف منهم في ذلك اثنان.

وذهب الكوفيّون، وإسحاق، والشافعيّ في قوله الآخر إلى أنه إنما تجب به الدية، وهو قول الحسن البصريّ، والحسن بن حيّ، والبَتِّيَ، والنخعيّ، والشعبيّ. وروي عن أبي بكر، وعمر، وابن عبّاس، ومعاوية - رضي الله عنهم -، قال القرطبيّ: والحديث المتقدّم نصٌّ في موضع الخلاف، فلا ينبغي العدول عنه. انتهى (١).

وقال في "الفتح" ما حاصله: استُدِلَّ بحديث الباب على ثبوت الْقَوَد في القسامة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فتستحقون قاتلكم"، وفي الرواية الأخرى: "دم صاحبكم"، قال ابن دقيق العيد: الاستدلال بالرواية التي فيها: "فيُدفَع بِرُمَّته"، أقوى من الاستدلال بقوله: "دم صاحبكم"؛ لأن قوله: "يُدفَع برُمَّته" لفظ مستعمل في دفع القاتل للأولياء للقتل، ولو أن الواجب الدية لَبَعُد استعمال هذا اللفظ، وهو في استعماله في تسليم القاتل أظهر، والاستدلال بقوله: "دم صاحبكم"، أظهر من الاستدلال بقوله: "قاتلكم"، أو "صاحبكم"؛ لأن هذا اللفظ لا بد فيه من إضمار، فيحتمل أن يُضمَر: ديةَ صاحبكم، احتمالًا ظاهرًا، وأما بعد التصريح بالدم، فيحتاج إلى تأويل اللفظ بإضمار: بدل دم صاحبكم، والإضمار على خلاف الأصل، ولو احتيج إلى إضمار، لكان حَمْله على ما يقتضي إراقة الدم أقرب، وأما من قال: يَحْتَمِل أن يكون قوله: "دم صاحبكم" هو القتيل، لا القاتل، فيردّه قوله: "دم صاحبكم"، أو "قاتلكم".

وتُعُقّب بأن هذه القصة واحدة، اختلفت ألفاظ الرواة فيها، على ما تقدم بيانه، فلا يستقيم الاستدلال بلفظ منها؛ لعدم تحقق أنه اللفظ الصادر من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.

واستَدَلَّ من قال بالقود أيضًا، بما أخرجه مسلم، والنسائيّ من طريق الزهريّ، عن سليمان بن يسار، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أناس من


(١) "المفهم" ٥/ ١٢.