للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الدعاوي الذي نبّه الشرع على حكمته بقوله: "لو أُعطي الناس بدعاويهم لاستحلّ رجالٌ دماء رجال، وأموالهم، ولكن البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر".

وأجاب الجمهور عن ذلك بأن الصحيح المشهور المعروف من حديث حويّصة، ومُحيّصة تبدئة المدّعين بالأيمان، وهي رواية الأئمة الحفّاظ بالطرق المسندة المستفيضة، وما ذكروه مما رواه أبو داود، والنسائيّ مراسيل، وغير معروفة عند المحدّثين، وليست مما تُعارض بها الطرق الصحاح، فيجب ردّها بذلك.

وأجابوا عن التمسّك بالأصل بأن هذا الحكم أصل بنفسه؛ لحرمة الدماء، ولتعذّر إقامة البيّنة على القتل فيها غالبًا، فإن القاصد للقتل يقصد الخلوة، والْغِيلة، بخلاف سائر الحقوق، وبشهادة الروايات الصحيحة لهذا الأصل الخاصّ بهذا الحكم الخاصّ، وبقي ما عداه على ذلك الأصل الآخر، ثم ليس ذلك خروجًا عن ذلك الأصل بالكلّيّة، وذلك أن المدعَى عليه، إنما كان القول قوله؛ لقوة جانبه بشهادة الأصل له بالبراءة مما ادُّعِيَ عليه، وذلك المعنى موجود هنا، فإنه إنما كان القول قولَ المدّعين؛ لقوة جانبهم باللَّوث الذي يشهد لهم بصدقهم، فقد أعملنا ذلك الأصل، ولم نطرحه بالكليّة. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن الأرجح هو القول بأنه يُبدأ في القسامة بأيمان أولياء المقتول، ثم تردّ على أولياء القاتل، لقوّة حجته، فتأمل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في وجوب الْقَوَد بالقسامة:

قال القرطبيّ - رحمه الله - ما حاصله: ذهب معظم الحجازيين إلى أن القسامة، يُستَحقّ بها الدم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فتستحقّون دم صاحبكم"، وفي رواية: "فيُدفع إليكم برُمَّته"، وهو قول الزهريّ، وربيعة، والليث، ومالك، وأصحابه، والأوزاعيّ، وأبي ثور، وأحمد، وإسحاق، وداود، وأحد قولي الشافعيّ،


(١) "المفهم" ٥/ ١٠ - ١١.