للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سَنَّ لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى كلام ابن عبد البرّ - رحمه الله - (١)، وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلافهم فيمن يُبدأ في القسامة:

ذهب معظم القائلين بالقسامة إلى أنها تبدأ بالمدعين، ثم تردّ إذا أبوا على المدعى عليهم، واحتجوا بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه، إلا القسامة"، وبقول مالك: أجمعت الأئمة في القديم والحديث، على أن المدعين يبدأون في القسامة، ولأن جنبة المدعي إذا قويت بشهادة أو شبهة، صارت اليمين له، وههنا الشبهة قوية، وقالوا: هذه سُنَّة بحيالها، وأصل قائم برأسه؛ لحياة الناس، ورَدْع المعتدين، وخالفت الدعاوي في الأموال، فهي على ما ورد فيها، وكلٌّ أصلٌ، يُتَّبَع، ويُستعمل، ولا تُطرح سُنَّة لسُنَّة.

وأجابوا عن رواية سعيد بن عبيد - يعني: المذكورة في الباب التالي - بقول أهل الحديث: إنه وَهَمٌ من راويه، أسقط من السياق تبرئة المدعين باليمين؛ لكونه لم يَذكُر فيه ردّ اليمين، واشتملت رواية يحيى بن سعيد على زيادة من ثقة حافظ، فوجب قبولها، وهي تقضي على من لم يعرفها.

وقال القرطبي: الحديث دليلٌ على أن القسامة يبدأ فيها المدّعون بالأيمان، وهو قول معظم القائلين بأن القسامة يُستوجب بها الدم، وقال مالك: الذي أجمعت عليه الأمة في القديم والحديث: أن المدّعين يبدؤون في القسامة.

وخالف في ذلك الكوفيّون، وكثير من أهل البصرة، والمدنيين، والأوزاعيّ، وروي عن الزهريّ، وعمر بن الخطّاب - رضي الله عنه -، فقالوا: يُبدأ بالمدّعى عليهم، متمسّكين في ذلك بالأصل الذي دلّ عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - للمدّعي: "شاهداك، أو يمينه"، وبأنه قد رُوي هذا الحديث من طرق، ذكرها أبو داود، والنسائيّ، ذكر فيها أنه - صلى الله عليه وسلم - طالب المدّعين بالبيّنة، فقالوا: ما لنا بيّنة، فقال: "فتحلف لكم يهود خمسين يمينًا"، وهذا هو الأصل المقطوع به في باب


(١) "الاستذكار" ٢٥/ ٣٢٨ - ٣٢٩.