للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القتيل لِمَا كان بين الأنصار وبين اليهود من العداوة، ولم يكن هناك سواهم، وعن أحمد نحو قول الشافعيّ.

وقال أبو حنيفة، والثوريّ، ومعظم الكوفيين: وجود القتيل في المحلة والقرية يوجب القسامة، ولا تثبت القسامة عندهم في شيء من الصور السبع السابقة إلا هنا؛ لأنها عندهم هي الصورة التي حَكَمَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيها بالقسامة، ولا قسامةَ عندهم إلا إذا وُجِد القتيل، وبه أثرٌ، قالوا: فإن وُجد القتيل في المسجد حُلِّف أهلُ المحلة، ووجبت الدية في بيت المال، وذلك إذا ادَّعَوا على أهل المحلة.

وقال الأوزاعيّ: وجود القتيل في المحلة يوجب القسامة، وإن لم يكن عليه أثرٌ، ونحوه عن داود. هذا آخر كلام القاضي - رحمه الله - (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من العمل بالقسامة هو الحقّ؛ لظهور حجته، كما هو ظاهر لمن تأمّله بالإمعان.

ولقد أجاد الإمام ابن عبد البرّ - رحمه الله - حيث أنكر على الذين عارضوا حديث القسامة بآرائهم، فقال ما نصّه: أما الذين دفعوا القسامة جملة، وأنكروها، ولم يقولوا بها، فإنما ردّوها بآرائهم؛ لخلافها للسنّة المجتمع عليها عندهم: "البيّنة على الْمُدَّعي، واليمين على الْمُدَّعَى عليه" - وفي لفظ: "على من أنكر" - قال: والاعتراض بهذه على ردّ القسامة فاسدٌ؛ لأن الذي سنّ البيّنة على الْمُدَّعي، واليمين على المنكر في الأموال: هو الذي خَصَّ هذا المعنى في القسامة، وبيّنه لأمته - صلى الله عليه وسلم -، وكانت القسامة في الجاهليّة خمسين يمينًا على الدماء، فأقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصارت سُنَّةً، بخلاف الأموال التي سَنَّ فيها يمينًا واحدةً، والأصول لا يُرَدّ بعضها ببعض، ولا يقاس بعضها على بعض، بل يوضع كل واحد منها موضعه، كالعرايا، والمزابنة، وكالمساقاة، وكالقراض، مع الإجارات، ومثل هذا كثير، وعلى المسلمين التسليم في كل ما


(١) "إكمال المعلم" ٥/ ٤٤٨ - ٤٥١، و"شرح النوويّ" ١١/ ١٤٣ - ١٤٦.