للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن الْمُنَيِّر: المخالف للقواعد دعوى أن يُكتب له ذلك في حال كفره، وأما أن الله يُضِيف إلى حسناته في الإسلام ثوابَ ما كان صَدَرَ منه، مما كان يظنه خيرًا، فلا مانع منه، كما لو تفضل عليه ابتداءً من غير عمل، وكما يتفضل على العاجز بثواب ما كان يَعْمَل، وهو قادر، فإذا جاز أن يَكتُب له ثواب ما لم يَعمل البتة، جاز أن يكتب له ثواب ما عَمِله غير مُوَفَّى الشروط.

وقال ابنُ بطال: لله أن يتفضل على عباده بما شاء، ولا اعتراض لأحد عليه.

واستَدَلَّ غيره بأن مَن آمن من أهل الكتاب، يؤتى أجره مرتين، كما دل عليه القرآن، والحديث الصحيح، وهو لو مات على إيمانه الأول، لم ينفعه شيء من عمله الصالح، بل يكون هباءً منثورًا، فدَلّ على أن ثواب عمله الأول يُكتب له مضافًا إلى عمله الثاني، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سألته عائشة - رضي الله عنها - عن ابن جُدْعَان، وما يصنعه من الخير، هل ينفعه؟ فقال: "إنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين"، فدَلّ على أنه لو قالها بعد أن أسلم، نفعه ما عمله في الكفر. انتهى (١).

قال الجامح عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قرّره هؤلاء العلماء من أن الصواب أن أعمال الإنسان في حال كفره تكتب له في حال إسلامه، ويُجازى عليها؛ فضلًا من الله سبحانه وتعالى بسبب حسن إسلامه هو الحقّ الذي لا شكّ فيه، ولا مرية، فمعارضته بأنه مخالف للقواعد غير مقبولة، فماذا يعنون بالقواعد، أليست القواعد هي التي جاءت بها النصوص الشرعية؟ فالذي أسّس القواعد، ووطّدها، وأرساها هو الذي أخبرنا بكتابة هذه الأعمال، فلا مجال بعد هذا للجدال، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: ٣٢]، فأسلم تسلم، وتغنم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى المذكور أولَ الكتاب قال:

[٣٢٦] ( … ) - (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، وَوَكِيعٌ (ح)، وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ


(١) "الفتح" ١/ ١٢٢ - ١٢٣ "كتاب الإيمان" رقم الحديث (٤١).