للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إسلامه، كتب الله له كلَّ حسنة كان أزلفها، ومُحِيت عنه كلُّ سيئة كان أزلفها، ثم كان بعد ذلك القصاص، الحسنةُ بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضِعْفٍ، والسيئةُ بمثلها، إلا أن يتجاوز الله عزَّ وجلَّ عنها"، وهو حديث صحيح، أورده الإمام البخاريّ في "صحيحه" معلّقًا بصيغة الجزم.

فهذا الحديث يقابل حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - المذكور في الباب؛ فإنّ ظاهره يدلّ على أن مَنِ اريمَب المعاصي بعد أن أسلم، يُكتَب عليه ما عَمِله من المعاصي قبل أن يُسلِم، وظاهر هذا أنّ مَن عَمِلَ الحسنات بعد أن أسلم، يُكتَب له ما عَمِله من الخيرات قبل أن يُسلم.

والحاصل أن الحديثين يُكمّل أحدهما الآخر، فيستفاد منهما أن من أحسن إسلامه تكتب له الأعمال الصالحة التي كان يعمل بها قبل إسلامه، وأن من أساء في الإسلام يؤاخذ بالأعمال السيّئة قبل إسلامه.

وقد استشكل بعض العلماء هذا، وراوه مخالفًا للقواعد، فقال المازريّ: الكافر لا يصحّ منه التقرب، فلا يثاب على العمل الصالح الصادر منه في شركه؛ لأن من شرط المتقرّب أن يكون عارفًا لمن يتقرب إليه، والكافر ليس كذلك، وتابعه القاضي عياض على تقرير هذا الإشكال.

وتعقب ذلك النوويّ، واستضعفه، وقال: الصواب الذي عليه المحققون، بل نَقَلَ بعضهم فيه الإجماع، أن الكافر إذا فَعَل أفعالًا جميلةً، كالصدقة، وصلة الرحم، ثم أسلم، ومات على الإسلام، أن ثواب ذلك يُكْتَب له، وأما دعوى أنه مُخالف للقواعد، فغير مُسَلَّم؛ لأنه قد يُعْتَدّ ببعض أفعال الكافر في الدنيا، ككفارة الظهار، فإنه لا يلزمه إعادتها إذا أسلم، وتجزئه. انتهى.

قال الحافظ: والحقّ أنه لا يلزم من كتابة الثواب للمسلم في حال إسلامه؛ تفضلًا من الله تعالى، وإحسانًا أن يكون ذلك؛ لكون عمله الصادر منه في الكفر مقبولًا، والحديث إنما تَضَمَّن كتابة الثواب، ولم يَتَعَرَّض للقبول.

ويَحْتَمِل أن يكون القبول يَصِير مُعَلَّقًا على إسلامه، فيُقْبَلُ، ويثاب إن أسلم، وإلا فلا، وهذا قويّ.

وقد جَزَم بما جزم به النوويّ إبراهيم الحربيّ، وابنُ بطال، وغيرهما، من القدماء، والقرطبيّ، وابن الْمُنَيِّر من المتأخرين.