وتُعُقِّب بأن البخاريّ أخرج في "الإجارة" عقب حديث يعلى هذا، من طريق أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، أنه وقع عنده مثل ما وقع عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقضى فيه بمثله.
قال الحافظ: وما تقدم من التقييد ليس في الحديث، وإنما أُخذ من القواعد الكلية، وكذا إلحاق عضو آخر غير الفم به، فإن النص إنما ورد في صورة مخصوصة، نبَّه على ذلك ابن دقيق العيد.
وقد قال يحيى بن عمر: لو بلغ مالكًا هذا الحديث لَمَا خالفه، وكذا قال ابن بطال: لم يقع هذا الحديث لمالك، وإلا لما خالفه، وقال الداودي: لم يروه مالك؛ لأنه من رواية أهل العراق، وقال أبو عبد الملك: كأنه لم يصح الحديث عنده؛ لأنه أتى من قبل المشرق.
قال الحافظ: وهو مُسَلَّم في حديث عمران - رضي الله عنه -، وأما طريق يعلى بن أمية، فرواها أهل الحجاز، وحملها عنهم أهل العراق.
واعتذر بعض المالكية بفساد الزمان، ونقل القرطبيّ عن بعض أصحابهم: إسقاط الضمان، وقال: وضَمَّنه الشافعيّ، وهو مشهور مذهب مالك.
وتُعُقِّب بأن المعروف عن الشافعيّ: أنه لا ضمان، وكأنه انعكس على القرطبيّ. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما سبق أن الصواب هو ما ذهب إليه الجمهور من أنه لا يلزم المعضوض قصاص، ولا دية؛ لصريح النصّ، والقياس في مقابلة النصّ باطلٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رحمه الله - أوّل الكتاب قال:
[٤٣٥٩](. . .) - (وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ يَعْلَى، عَنْ يَعْلَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِهِ).
(١) "الفتح" ١٦/ ٦٦ - ٦٧، كتاب "الديات" رقم (٦٨٩٢).