للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنه لا ضمان عليه، فإذا لم يضمن نفسه بدفعه إياه عن نفسه، فكذلك لا يضمن سنّه بدفعه إياه عن عضّه، أفاده ابن بطّال - رحمه الله - (١).

وقال في "الفتح": قد أخذ بظاهر هذه القصة الجمهور، فقالوا: لا يلزم المعضوض قصاص، ولا دية؛ لأنه في حكم الصائل، واحتجوا أيضًا بالإجماع، بأن من شهر على آخر سلاحًا ليقتله، فدفع عن نفسه، فقَتَلَ الشاهرَ، أنه لا شيء عليه، فكذا لا يضمن سنّه بدفعه إياه عنها، قالوا: ولو جرحه المعضوض في موضع آخر، لم يلزمه شيء.

وشرط الإهدار أن يتألم المعضوض، وأن لا يمكنه تخليص يده بغير ذلك، من ضربٍ في شدقيه، أو فَكّ لحيته؛ ليرسلها، ومهما أمكن التخليص بدون ذلك، فعدل عنه إلى الأثقل لم يهدر، وعند الشافعية وجهٌ آخر: أنه يُهْدَر على الإطلاق، ووجهٌ: أنه لو دفعه بغير ذلك ضَمِن.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الوجه الذي قاله الشافعيّة من إهداره مطلقًا هو الأظهر عندي؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل حينما أهدر ثنيّة العاضّ، وإنما قال: "لا دية لك"، فلم يسأله كيف نزع يده، وهل كان يمكن أن يدفعه بأقلّ من ذلك؟ والله تعالى أعلم.

قال: وعن مالك روايتان: أشهرهما يجب الضمان، وأجابوا عن هذا الحديث باحتمال أن يكون سبب الإندار شدة العضّ، لا النزع، فيكون سقوط ثنية العاض بفعله، لا بفعل المعضوض، إذ لو كان مِن فعل صاحب اليد، لأمكنه أن يخلص يده من غير قلع، ولا يجوز الدفع بالأثقل، مع إمكان الأخف.

وقال بعض المالكية: العاض قصد العضو نفسه، والذي استحق في إتلاف ذلك العضو، غير ما فعل به، فوجب أن يكون كل منهما ضامنًا ما جناه على الآخر، كمن قلع عين رجل، فقطع الآخر يده.

وتُعُقّب بأنه قياس في مقابل النصّ، فهو فاسد.

وقال بعضهم: لعل أسنانه كانت تتحرك، فسقطت عقب النزع، وسياق هذا الحديث يدفع هذا الاحتمال.


(١) "شرح البخاري" ٨/ ٥٢١.