للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْقِصَاصَ الْقِصَاصَ") قال النوويّ - رحمه الله -: هما منصوبان؛ أي: أَدُّوا القصاص، وسَلِّموه إلى مستحقه. انتهى.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: الرواية بنصب "القصاص" في اللفظين، ولا يجوز غيره، وهو منصوب بفعل مضمر، لا يجوز إظهاره، تقديره: ألزمكم القصاص، أو أقيموا القصاص، غير أن هذا الفعل لا تظهره العرب قطّ؛ لأنهم استغنوا عنه بتكرار اللفظ، كما قالوا: الجدارَ الجدارَ، والصبيَّ الصبيَّ. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: أشار القرطبيّ - رحمه الله - إلى أن نصب "القصاصَ" واجب؛ لأن قاعدة التحذير والإغراء إذا تكرر الاسم، أو كان بالعطف: النصب بفعل مضمر وجوبًا؛ لقيام التكرار مقامه، كقوله:

أَخَاكَ أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لَا أَخَا لَهُ … كَسَاعٍ إِلَى الْهَيْجَا بِغَيْرِ سِلَاحِ

وإلى هذه القاعدة أشار ابن مالك في "الخلاصة" حيث قال:

"إِيَّاكَ وَالشَّرَّ" وَنَحْوَهُ نَصَبْ … مُحَذِّرٌ بِمَا اسْتِتَارُهُ وَجَبْ

وَدُونَ عَطْفٍ ذَا لِـ "إِيًّا" انْسُبْ وَمَا … سِوَاهُ سَتْرُ فِعْلِهِ لَنْ يَلْزَمَا

إِلَّا مَع الْعَطْفِ أَوِ التَّكْرَارِ … كَـ "الضَّيْغَمَ الضَّيْغَمَ يَا ذَا السَّارِي"

وَشَذَّ "إِيَّايَ" و"إِيَّاهُ" أَشَذّْ … وَعَنْ سَبِيلِ الْقَصْدِ مَنْ قَاسَ انْتَبَذْ

وَكَمُحَذَّرٍ بِلَا "إِيَّا" اجْعَلَا … مُغْرًى بِهِ فِي كُلِّ مَا قَدْ فُصِّلَا

(فَقَالَتْ أُمُّ الرَّبِيعِ) بفتح الراء، وكسر الموحّدة، وتخفيف الياء (يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُقْتَصُّ مِنْ فُلَانَةَ؟ لَا وَاللهِ، لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا أَبَدًا) "لا" الثانية تأكيد للأولى، وهذا إخبارٌ منها بأن الكسر لا يتحقّق، وليس ردًّا للحكم، قال النوويّ - رحمه الله -: هذا ليس معناه ردّ حكم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، بل المراد به الرغبة إلى مستحقّ القصاص أن يعفو، وإلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الشفاعة إليهم في العفو، وإنما حلفت ثقةً بهم أن لا يُحَنِّثُوها، أو ثقة بفضل الله، ولطفه أن لا يحنّثها بل يلهمهم العفو. انتهى (٢).

وقال أبو العبَّاس القرطبيّ - رحمه الله - ما حاصله: ولَمّا فهِم أنس بن النضر - على ما في الرواية الآتية، أو أم الربيع على في هذه الرواية - لزوم القصاص، عَظُم عليه أن تُكسر ثنية الجانية، فبذلوا الأرش، فلم يرضَ أولياء


(١) "المفهم" ٥/ ٣٦.
(٢) "شرح النوويّ" ١١/ ١٦٣.