للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المجنيّ عليها به، فكُلِّم أهلها في ذلك، فأبَوا، فلما رأى امتناعهم من، ذلك، وأن القصاص قد تعيّن، قال: "أيُقتصّ من فلانة؟، والله لا يُقتصّ منها"، ثقةً منه بفضل الله تعالى، وتعويلًا عليه في كشف تلك الكُرْبة، لا أنه ردَّ حكم الله تعالى، وعانده، بل هو منزّهٌ عن ذلك؛ لِمَا عُلم من فضله، وعظيم قدره، وبشهادة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بما له عند الله تعالى من المنزلة، وهذا التأويل أولى من تأويل من قال: إن ذلك القَسَم كان منه على جهة الرغبة للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أو للأولياء؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد أنكر ذلك عليه بقوله: "سبحان الله، كتاب الله القصاص"، ولو كان رغبةً لَمَا أنكره، وأيضًا فإن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد سمّاه قَسَمًا، وأخبر أنه قسمٌ على الله، وأن الله تعالى قد أبرّه فيه؛ لَمَّا قال: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه". انتهى (١).

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سُبْحَانَ اللهِ) تعجبًّا من تأكيد نفيها القصاص بالحلف، ولفظِ "أبدًا"، ووجه تعجّبه - صلى الله عليه وسلم - أن هذه المرأة أقسمت على نفي فعل غيرها مع إصرار ذلك الغير على إيقاع ذلك الفعل، فكان قضيّة ذلك في العادة أن تحنث في يمينها، فألهم الله تعالى الغير العفوَ، فبَرّ قسمها، والله تعالى أعلم.

(يَا أُمَّ الرَّبِيعِ الْقِصَاصُ كِتَابُ اللهِ") وفي رواية البخاري: "يا أنس كتاب الله القصاص"، قال في "الفتح": اختُلف في ضبط: "كتاب الله القصاص": فالمشهور أنهما مرفوعان، على أنَّهما مبتدأ وخبر، وقيل: منصوبان على أنه مما وُضع فيه المصدر موضع الفعل؛ أي: كَتَبَ اللهُ القصاصَ، أو نصب "كتاب الله" على الإغراء، و"القصاصَ" بدل منه، فينصب، أو ينصب بفعل محذوف، ويجوز رفعه، بأن يكون خبر مبتدأ محذوف.

واختُلف أيضًا في المعنى، فقيل: المراد حُكم كتاب الله القصاص، فهو على تقدير حذف مضاف، وقيل: المراد بالكتاب الحكم؛ أي: حكم الله القصاص، وقيل: أشار به إلى قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥]، وقيل:


(١) "المفهم" ٥/ ٣٦.