للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"كتاب الله القصاص"، فلمّا جاز القصاص في السنّ إذا كُسرت، وهي عظم، فكذلك سائر العظام، إلا عظمًا أجمعوا أنه لا قصاص فيه؛ لخوف ذهاب النفس منه، وأنه لا يقدر على الوصول فيه إلى مثل الجناية بالسواء، فلا يجوز أن يُفعل ما يؤدّي في الأغلب إلى التلف، إذا كان الجارح الأول لم يؤدِّ فعله إلى التلف.

وقال ابن المنذر: ومن قال: لا قصاص في عظم، فهو مخالفٌ للحديث، والخروج إلى النظر غير جائز مع وجود الخبر. انتهى كلام ابن بطّال - رحمه الله - (١).

وقال في "الفتح": اختلفوا في سائر عظام الجسد، فقال مالك: فيها القود، إلا ما كان مُجَوَّفًا، أو كان كالمأمومة، والْمُنَقِّلة، والهاشمة، ففيها الدية، واحتج بالآية، ووجه الدلالة منها: أن شرع من قبلنا شرع لنا، إذا ورد على لسان نبينا - صلى الله عليه وسلم - بغير إنكار، وقد دلّ قوله: {وَالسِّنَّ باِلسِّنِّ} على إجراء القصاص في العظم؛ لأن السن عظم، إلا ما أجمعوا على أن لا قصاص فيه، إما لخوف ذهاب النفس، وإما لعدم الاقتدار على المماثلة فيه. وقال الشافعي، والليث، والحنفية: لا قصاص في العظم، غير السن؛ لأن دون العظم حائلًا من جلد، ولحم، وعصب، يتعذر معه المماثلة، فلو أمكنت لحكمنا بالقصاص، ولكنه لا يصل إلى العظم حتى ينال ما دونه، مما لا يعرف قدره.

وقال الطحاوي: اتفقوا على أنه لا قصاص في عظم الرأس، فليلتحق بها سائر العظام. وتُعُقب بأنه قياس مع وجود النص، فإن في حديث الباب أنها كَسَرت الثنيةَ، فأَمَر - صلى الله عليه وسلم - بالقصاص، مع أن الكسر لا تطّرد فيه المماثلة. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه الإمام مالك - رحمه الله - من وجوب القصاص في العظام التي يمكن مماثلتها هو الحقّ؛ لآية: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥]، ولحديث الباب، حيث إنه - صلى الله عليه وسلم - قال في كسر السنّ، وهو من العظام: "كتاب الله القصاص"، فبيّن الحكم العامّ فيه، وفي أمثاله، فتأمل بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال ٨/ ٥٢٢ - ٥٢٣.
(٢) "الفتح" ١٦/ ٦٨، كتاب "الديات" رقم (٦٨٩٤).