للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَعْظُم بحسب عُظْم المفسدة، وتفويت المصلحة، وإعدام البنية الإنسانية غاية في ذلك، وقد ورد في التغليظ في أمر القتل آيات كثيرة وآثار شهيرة مذكورة في كتب السُّنَّة.

٢ - (ومنها): ما قال القرطبيّ - رحمه الله -: هذا الحديث يدلّ على أنه ليس في حقوق الآدميين أعظم من الدماء، ولا تعارض بين هذا وبين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أول ما يحاسب به العبد من عمله الصلاة"؛ لأنَّ كل واحد منهما أولٌ في بابه، فأول ما يُنظر فيه من حقوق الله: الصلاة؛ فإنَّها أعظم قواعد الإسلام العملية، وأول ما ينظر فيه من حقوق الآدميين: الدِّماء؛ لأنَّها أعظم الجرائم، وقد تقدم هذا في كتاب الصلاة. انتهى (١).

٣ - (ومنها): أنه قد استَدَلّ به بعضهم على أن القضاء يختص بالناس، ولا مدخل فيه للبهائم، وهو غلطٌ؛ لأن مفاده حصر الأولية في القضاء بين الناس، وليس فيه نفي القضاء بين البهائم، بل غاية ما يفيده أن يكون القضاء بين البهائم بعد القضاء بين الناس، وقد وردت النصوص الدالّة على ثبوت القصاص بين البهائم، فقد أخرج مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لتُؤَدَّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الْجَلْحاء من الشاة القرناء".

وفي لفظ لأحمد: "حتى يُقتصّ للشاة الجمّاء من الشاة القرناء تنطحها"، وإسناده صحيح، وله طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "ألا والذي نفسي بيده ليختصمن كلُّ شيء يوم القيامة، حتى الشاتان فيما انتطحتا"، قال الشيخ الألبانيّ - رحمه الله -: وإسناده حسن لغيره، وورد أيضًا: "يَقْتَصّ الخلق بعضهم من بعض، حتى الجماء من القرناء، وحتى الذَّرّة من الذرّة"، وإسناده صحيح، وعن أبي ذرّ - رضي الله عنه - قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاتين تنتطحان، فقال: "يا أبا ذر أتدري فيما تنتطحان؟ " قلت: لا، قال: "لكن ربك يدري، وسيقضي بينهما يوم القيامة"، وإسناده صحيح، أورد ذلك كلّه الشيخ الألبانيّ - رحمه الله - في "السلسلة الصحيحة" (٢)، والله تعالى أعلم.


(١) "المفهم" ١٥/ ١٢٢.
(٢) راجع: "السلسلة الصحيحة" ٤/ ١١٥.