للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والأرض"، قاله في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي زعمه يوسف بن عبد الملك سيأتي ردّه في كلام القرطبيّ - رحمه الله -، فتنبَّه.

وقال النوويّ - رحمه الله -: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الزمان قد استدار. . . إلخ": فقال العلماء: معناه أنهم في الجاهلية يتمسكون بملة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - في تحريم الأشهر الحُرُم، وكان يَشُقّ عليهم تأخير القتال ثلاثة أشهر متواليات، فكانوا إذا احتاجوا إلى قتال أخَّروا تحريم المحرَّم إلى الشهر الذي بعده، وهو صَفَر، ثم يؤخرونه في السنة الأخرى إلى شهر آخر، وهكذا يفعلون في سنة بعد سنة، حتى اختلط عليهم الأمر، وصادفت حَجة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تحريمهم، وقد تطابق الشرع، وكانوا في تلك السنة قد حرَّموا ذا الحِجة لموافقة الحساب الذي ذكرناه، فأخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن الاستدارة صادفت ما حَكَم الله تعالى به يوم خلق السماوات والأرض، وقال أبو عبيد: كانوا يُنسئون؛ أي: يؤخِّرون، وهو الذي قال الله تعالى فيه: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: ٣٧]، فربما احتاجوا إلى الحرب في المحرم، فيؤخرون تحريمه إلى صفر، ثم يؤخرون صفر في سنة أخرى، فصادف تلك السنة رجوع المحرم إلى موضعه، وذكر القاضي عياض وجوهًا أُخَر في بيان معنى هذا الحديث، ليست بواضحة، ويُنكَر بعضها. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (٢).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "إن الزمان قد استدار كهيئته. . . إلخ": اختُلِف في معنى هذا اللفظ على أقوال كثيرة، وأشبه ما فيها ثلاثة أقوال:

[أحدها]: قاله إياس بن معاوية، وذلك: أن المشركين كانوا يحسِبون السنة اثني عشر شهرًا وخمسة عشر يومًا، فكان الحجُّ يكون في رمضان، وفي ذي القعدة، وفي كل شهر من السَّنة بحكم استدارة الشهر بزيادة الخمسة عشر يومًا، فحجَّ أبو بكر - رضي الله عنه - سنة تسع في ذي القعدة، بحكم الاستدارة، ولم يحج


(١) "الفتح" ٧/ ٤٩٨، كتاب "بدء الخلق" رقم (٣١٩٧)، و ١٠/ ١٧٦، كتاب "التفسير" رقم (٤٦٦٢).
(٢) "شرح النوويّ" ١١/ ١٦٨ - ١٦٩.