النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان في العام المقبل وافق الحجّ ذا الحجَّة في العشر، ووافق ذلك الأهلة، وقد رُوي أن أبا بكر إنما حجَّ في ذي الحجة.
[الثاني]: رُوي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّه قال: كانوا إذا كانت السنة التي يُنسأ فيها، قام خطيبهم وقد اجتمع إليه الناس يوم الصَّدر فقال: أيها الناس! إني قد نسأت العام صَفَرًا الأول، يعني: الْمُحَرَّم، فيطرحونه من المشهور، ولا يعتدُّون به، ويبدؤون العدَّة، فيقولون لصفر وشهر ربيع الأول: صفران، ولربيع الآخر وجمادى الأولى: شهرا ربيع، ولجمادى الآخرة ورجب: جماديان، ولشعبان: رجب، ولرمضان: شعبان، وهكذا إلى محرَّم. ويُبطلون من هذه السَّنة شهرًا، فيحجون في كل سنة حجتين، ثم ينسأ في السَّنة الثالثة صفرًا الأوّل في عدَّتهم، وهو الأخير في العدَّة المستقيمة، حتى يكون حجهم في صفر حجتين، وكذلك الشهور كلها حتى يستدير الحجَّ في كل أربع وعشرين سنة إلى المحرم الشهر الذي ابتدؤوا فيه النَّساء، ونحوه قال ابن الزبير، إلا أنه قال: يفعلون ذلك في كل ثلاث سنين، يزيدون شهرًا، قيل: وكانوا يتصدون بذلك موافقة شهور المعجم لشهور الأهلة حتى تأتي الأزمان واحدة.
[الثالث]: قيل: كانت العرب تحجُّ عامين في ذي القعدة، وعامين في ذي الحجة، فصادفت حجَّة أبي بكر - رضي الله عنه - ذا القعدة من السَّنة الثانية، وصادفت حجَّة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذا الحجة بالاستدارة.
قال القرطبيّ: والأشبه القول الأول؛ لأنَّه هو الذي استفيد نفيه من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الزمان قد استدار"؛ أي: زمان الحجِّ عاد إلى وقته الأصليّ؛ الذي عيّنه الله تعالى له يوم خلق السموات والأرض بأصل المشروعية التي سبق بها علمه، ونفذ بها حكمه، ثم قال:"السَّنة اثنا عشر شهرًا" ينفي بذلك الزيادة التي زادوها في السَّنة؛ وهي الخمسة عشر يومًا بتحكمهم، ثم هذا موافق لقوله تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}[التوبة: ٣٦]، فتعيَّن الوقت الأصليّ، وبَطَل التحكُّم الجهليّ، والحمد لله.
قال: وهذه أقوال سلف هذه الأمَّة، وعلماء أهل السُّنَّة، وقد تكلَّم على هذا الحديث بعض من يدَّعي علم التعديل بقولٍ صدر عنه من غير تحقيق ولا