للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "شرح السُّنّة": لو كان المراد من العرض النفوس لكان تكرارًا؛ لأن ذكر الدماء كافٍ؛ إذ المراد به النفوس.

قال الطيبيّ: الظاهر أنه أراد بالأعراض الأخلاق النفسانيّة، والكلام فيه يحتاج إلى فضلِ تأمَّل، فالمراد بالعرض هنا: الخُلُقُ كما سبق، وفي قول الحماسيّ [من الطويل]:

إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَدْنَسْ (١) مِنَ اللَّوْمِ عِرْضُهُ … فَكُلُّ رِدَاءٍ يَرْتَدِيهِ جَمِيلُ

وفي قول أبي ضمضم: اللهمّ إني تصدّقت بعرضي على عبادك ما يرجع عليه عيبه، والتحقيق ما ذكره صاحب "النهاية": العرض موضع المدح والذّمّ من الإنسان، سواء كان في نفسه، أو في سلفه، ولَمّا كان موضع العِرض النفس قال من قال: العرض النفس؛ إطلاقًا للمحلّ على الحالّ، وحين كان المدح نسبة الشخص إلى الأخلاق الحميدة، والذمّ نسبته إلى الذميمة، سواء كانت فيه، أو لا قال من قال: العِرض الْخُلُق؛ إطلاقًا لاسم اللازم على الملزوم. انتهى قول الطيبيّ - رحمه الله - (٢).

(حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ) قال القرطبيّ - رحمه الله -: أي: ستوقفون في موقف العَرض موقف مَن لَقِي، فحَبَس حتَّى تُعْرَض عليه أعماله، فيُسأل عنها، وهذا إخبارٌ بمقام عظيم، وأمر هائل، لا يُقْدَرُ قدرُه، ولا يُتصوَّر هوله، أصبح الناس عن التذكر فيه معرضين، وعن الاستعداد له متشاغلين، فالأمر كما قال في كتابه المكنون: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (٦٨)} [ص: ٦٧، ٦٨]، فنسأل الله تعالى من فضله أن يوقظنا من رقدتنا، وينبهنا من غفلتنا، ويجعلنا ممن استعدَّ للقائه، وكُفِي فواجِئَ نِقْمَه وبلائه. انتهى (٣).

(فَلَا تَرْجِعُنَّ) قال ابن مالك - رحمه الله -: رجع هنا استُعمل كصار معنى وعملًا؛ أي: لا تصيرُنَّ بعدي كفَّارًا، ومنه قول الشاعر [من البسيط]:


(١) من باب فَرِحَ.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٦/ ٢٠١٥ - ٢٠١٦.
(٣) "المفهم" ٥/ ٤٨.