للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في موضع آخر: قيل في الجمع بين الحديثين: لعلهما واقعتان، وليس بشيء؛ لأن الخطبة يوم النحر إنما تُشْرَع مرّة واحدةً، وقد قال في كل منهما: إن ذلك كان يوم النحر، وقيل في الجمع بينهما: إن بعضهم بادر بالجواب، وبعضهم سكت، وقيل في الجمع: إنهم فوَّضوا أوّلًا كلهم بقولهم: الله ورسوله أعلم، فلما سكت أجاب بعضهم دون بعض، وقيل: وقع السؤال في الوقت الواحد مرتين بلفظين، فلما كان في حديث أبي بكرة فخامة ليست في الأول؛ لقوله فيه: "أتدرون" سكتوا عن الجواب، بخلاف حديث ابن عباس؛ لخلوّه عن ذلك، أشار إلى ذلك الكرمانيّ - رحمه الله -، وقيل: في حديث ابن عباس اختصار، بيَّنته رواية أبي بكرة، وابن عمر، فكأنه أطلق قولهم: "يوم حرام" باعتبار أنهم قرروا ذلك بقولهم: "بلى"، وسكت في رواية ابن عمر عن ذِكر جوابهم، وهذا جمعٌ حسن. انتهى ما في "الفتح" (١).

(قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ) هذا الكلام على تقدير مضاف؛ أي: سفك دمائكم، وأخذ أموالكم، وثَلْبَ أعراضكم (قَالَ مُحَمَّدٌ)؛ أي: ابن سيرين (وَأَحْسِبُهُ)؛ أي: أظنّ ابن أبي بكرة، كأنه شكّ في قوله: "وأعراضكم"، أقالها ابن أبي بكرة أم لا؟، ووقع في الرواية التالية الجزم بها، ولفظه: "فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام. . .". (قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ) و"الْعِرْضُ" - بكسر العين المهملة، وسكون الراء، آخره ضاد معجمة -: هو موضع المدح والذّمّ من الإنسان، سواء كان في نفسه، أو سَلَفه، وقيل: العِرْض: الْحَسَب، وقيل: الخُلُق، وقيل: النفس، قاله في "العمدة" (٢).

وقال التوربشيّ: قوله: و"أعراضكم"؛ أي: أنفسكم وأحسابكم، فإن العِرض يقال للنفس، وللحسب، يقال: فلانٌ نَقِيُّ العِرْض؛ أي: بريء أن يُشتم، أو يُعاب، والعِرض: رائحة الجسد، وغيره، طيّبة كانت أو خبيثة. انتهى.


(١) "الفتح" ٤/ ٦٩٩، كتاب "الحجّ" رقم (١٧٤١).
(٢) "عمدة القاري" ٢/ ٥٥.