ذهاب ذنوبهما بسبب القاتل، فلذلك قيل عنه: إنه باء بذنوب كلّ واحد منهما. هذا أحسن ما قيل فيه، والله تعالى أعلم. انتهى (١).
وقال السنديّ - رحمه الله -: ظاهره أن الوليّ إذا عفا عن القاتل بلا مال يتحمّل القاتل إثم الوليّ والمقتول جميعًا، ولا يخلو عن إشكال، فإن أهل التفسير قد أوّلوا قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} الآية [المائدة: ٢٩]، فضلًا عن إثم الوليّ، ولعل الوجه في هذا الحديث أن يقال: المراد برجوعه بإثمهما هو رجوعه متلبّسًا بزوال إثمهما عنهما.
ويَحْتَمِل أنه تعالى يرضى بعفو الوليّ، فيغفر له، ولمقتوله، فيرجع القاتل، وقد أُزيل عنهما إثمهما بالمغفرة.
والمشهور هي الرواية الآتية، وهي: "يبوء بإثمه، وإثم صاحبه"؛ أي: المقتول، وقيل في تأويله: أي: يرجع متلبّسًا بإثمه السابق، وبالإثم الحاصل له بقتل صاحبه، فأُضيف إلى الصاحب؛ لأدنى ملابسة، بخلاف ما لو قُتِلَ، فإن القتل يكون كفّارة له عن إثم القتل، وهذا المعنى لا يصلح للترغيب، إلا أن يقال: الترغيب باعتبار إيهام الكلام بالمعنى الظاهر، ويجوز الترغيب بمثله توسّلًا به إلى العفو، وإصلاح ذات البين، كما يجوز التعريض في محلّه. والله تعالى أعلم. انتهى.
وقال النوويّ - رحمه الله -: قيل: معناه يتحمّل إثم المقتول بإتلافه مهجته، وإثم الوليّ؛ لكونه فَجَعه في أخيه، ويكون قد أُوحي إليه - صلى الله عليه وسلم - بذلك، في هذا الرجل خاصة، ويَحْتَمِل أن معناه: يكون عفوك عنه سببًا لسقوط إثمك، وإثم أخيك المقتول، والمراد إثمهما السابق بمعاصٍ لهما متقدمة، لا تعلّق لها بهذا القاتل، فيكون معنى "يبوء" يُسقط، وأطلق هذا اللفظ عليه مجازًا. انتهى (٢).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي الأقرب ما استحسنه القرطبيّ - رحمه الله -، في كلامه السابق، وحاصله أن القاتل تسبب في حصول المغفرة لكلّ من المقتول بقتله، والوليّ لَمّا عفا عنه، فصحّ نسبة ذهاب ذنوبهما إليه، والله تعالى أعلم.
(١) "المفهم" ٥/ ٥٨.
(٢) "شرح النوويّ" ١١/ ١٧٤ - ١٧٥.