للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الرابعة، قال: "أما إنك إن عفوت عنه، يبوء بإثمه، وإثم صاحبه"، قال: فعفا عنه. فهذا المساق يُفهم منه صحّة قصد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لتخليص ذلك القاتل، وتأكّد شفاعته له في العفو، أو قبول الدية، فلمّا لم يلتفت الوليّ إلى ذلك كلّه، صدرت منه - صلى الله عليه وسلم - تلك الأقوال الوعيديّة، مشروطةً باستمراره على لَجَاجه، ومُضيّه على جفائه، فلمّا سمع الوليّ ذلك القول عفا، وأحسن، فقُبل، وأُكرم، وهذا أقرب من تلك التأويلات، والله أعلم بالمشكِلات، وهذا الذي أشار إليه ابن أشوع، حيث قال: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - سأله أن يعفو، فأبى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قول ابن أشوع المذكور هو الآتي للمصنّف في الرواية التالية لهذه الرواية - إن شاء الله تعالى -.

[تنبيه]: قال القرطبيّ: إنما عَظُم الإشكال من جهة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "القاتل والمقتول في النار"، ولَمّا كان ذلك قال بعض العلماء: إن هذا اللفظ - يعني: قوله: "القاتل والمقتول في النار" -، إنما ذكره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار" متفقّ عليه، فَوَهِم بعض الرواة، فضمّه إلى هذا الحديث الآخر.

قال القرطبيّ: وهذا بعيدٌ، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا التحقيق الذي قاله القرطبيّ - رحمه الله - في تأويل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنْ قَتَله، فهو مثله" تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب.

(فَرَجَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ (٢) قُلْتَ: "إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ"، وَأَخَذْتُهُ بِأَمْرِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ) بهمزة، بعد الواو؛ أي: ينقلب، ويرجع، قال القرطبيّ - رحمه الله -: وأكثر ما يُستعمل باء بكذا في الشرّ، ومنه قوله تعالى: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة: ٩٠] انتهى. (بِإثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ؟ ") قال القرطبيّ - رحمه الله -: يعني بذلك - والله تعالى أعلم - أن المقتول ظلمًا تُغفر ذنوبه عند قتل القاتل له، والوليّ يُغفر له عند عفوه عن القاتل، فصار


(١) "المفهم" ٥/ ٥٤ - ٥٨.
(٢) وفي نسخة: "يا رسول الله، بلغني أنك قلت".