للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في تلك القصّة، ولذلك قال للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: تقول ذلك، وقد أخذته بأمرك؟، ولو كان كما قاله هذا القائل؛ لقال له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: إنما قلت ذلك للمعصية التي فعلتَ، أو الحالة التي أنت عليها، لا لهذا، ولَمَا كان يسكته عن ذلك، ولبادر لبيانه في تلك الحال؛ لأن الحاجة له داعيةٌ، والنصيحة، والبيان واجبان عليه - صلى الله عليه وسلم -، والله تعالى أعلم.

[الثالث]: أن أبا داود روى هذا الحديث من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال فيه: قُتل رجلٌ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرُفع إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فدفعه إلى وليّ المقتول، فقال القاتل: يا رسول الله، والله ما أردت قتله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للوليّ: "أمَا إنه إن كان صادقًا، ثم قتلته دخلت النار"، فحاصله أن هذا المعترف بالقتل زعم أنه لم يُرد قتله، وحَلَف عليه، فكان القتل خطأً، فكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خاف أن يكون القاتل صدق فيما حلَف عليه، وأن القاتل يَعلم ذلك، لكن سلّمه له بحكم إقراره بالعمد، ولا شاهد يشهد له بالخطإ، ومع ذلك، فتوقّع صدقه، فقال: "إن قتلته دخلت النار"، فكأنه قال: إن كان صادقًا، وعلمت أنت صدقه، ثم قتلته، فأنت في النار، وهذا على ما فيه من التكلّف يُبطله قوله: "القاتل، والمقتول في النار"، فسوّى بينهما في الوعيد، فلو كان القاتل مخطئًا لَمَا استحقّ بذلك النار، ولَمَا باء بإثمه، وإثم صاحبه، فإن المخطئ لا يكون آثمًا، ولا يتحمّل إثم من أخطأ عليه.

[الرابع]: أن أبا داود روى هذا الحديث عن وائل بن حُجْرٍ - رضي الله عنه -، وذكر فيه ما يدلّ على أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قصد تخليصه، فعَرَضَ الدية، أو العفوَ على الوليّ ثلاث مرّات، والوليّ في كلّ ذلك يأبى إلا القتل، مُعْرِضًا عن شفاعة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وعن حرصه على تخليص الجاني من القتل، فكان الوليّ صدر منه جفاءٌ في حقّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، حيث ردّ متأكَّدَ شفاعته، وخالفه في مقصوده، ويظهر هذا من مساق الحديث، وذلك أن وائل بن حُجْر - رضي الله عنه - قال: كنت عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، إذ جيء برجلٍ قاتل، في عُنُقه نِسْعَةٌ، قال: فدعا وليّ المقتول، فقال: "أتعفو؟ "، قال: لا، فقال: "أتأخذ الدية؟ "، قال: لا، قال: "أتقتل؟ "، قال: نعم، قال: "اذهب به"، فلما ولّى، قال: "أتعفو؟ "، قال: لا، قال: "أفتأخذ الدية؟ "، قال: لا، قال: "أفتقتل؟ "، قال: نعم، قال: "اذهب به"، فلما كان في