وقال القرطبيّ - رحمه الله -: ظاهره إنْ قتله كان عليه من الإثم مِثل ما على القاتل الأول، وقد صرّح بهذا في الرواية الأخرى التي قال فيها:"القاتل والمقتول في النار"، وهذا فيه إشكالٌ عظيم، فإن القاتل الأول قَتَل عمدًا، والثاني قصاصًا، ولذلك لَمّا سمع الوليّ ذلك، قال: يا رسول الله قلت ذلك، وقد أخذته بأمرك؟، فاختلف العلماء في تأويل هذا على أقوال:
[الأول]: قال الإمام أبو عبد الله المازريّ: أَمْثَلُ ما قيل فيه: أنهما استويا بانتفاء التباعة عن القاتل بالقصاص.
قال القرطبيّ: وهذا كلام غير واضح، ويعني به - والله أعلم - أن القاتل إذا قُتل قصاصًا، لم يبق عليه تبعة من القتل، والمقتصّ لا تبعة عليه؛ لأنه استوفى حقّه، فاستوى الجاني والوَلِيّ المقتصّ في أن كلّ واحد منهما لا تبعة عليه.
[الثاني]: قال القاضي عياض: معنى قوله: "فهو مثله"؛ أي: قاتلٌ مثله، وإن اختلفا في الجواز والمنع، لكنهما اشتركا في طاعة الغضب، وشفاء النفس، لا سيّما مع رغبة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في العفو، على ما جاء في الحديث.
قال القرطبيّ: والعجيب من هذين الإمامين، كيف قَنِعا بهذين الْخَيالين، ولم يتأمّلا مَساق الحديث، وكأنهما لم يسمعا قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حين انطلق به يجرّه ليقتله:"القاتل والمقتول في النار"، وهذه الرواية مفسّرة لقوله في الرواية المتقدّمة:"إن قتله فهو مثله"؛ لأنها ذُكرت بدلًا منها، فعلى مقتضى قوله:"مثله"؛ أي: هو في النار مثله، ومن هنا عَظُم الإشكال، ولا يُلتفت لقول من قال: إن ذلك إنما قاله - صلى الله عليه وسلم - للوليّ لِمَا علم منه من معصية يَستحقّ بها دخول النار؛ لأن المعصية المقدّرة إما أن يكون لها مدخلٌ في هذه القصّة، أو لا مدخل لها فيها، فإن كان الأولُ، فينبغي لنا أن نبحث عنها حتى نتبيّنها، ونعرف وجه مناسبتها لهذا الوعيد الشديد، وإن لم يكن لها مدخلٌ في تلك القضيّة، لم يلِق بحكمة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا ببلاغته، ولا ببيانه أن يذكر وعيدًا شديدًا في قضيّةٍ ذات أحوال، وأوصاف متعدّدة، ويقرُن ذلك الوعيد بتلك القصّة، وهو يُريد أن ذلك الوعيد إنما هو لأجل شيء لم يذكره هو، ولا جرى له ذكرٌ من غيره، ثم إن المقول له ذلك، قد فَهِم أن ذلك إنما كان لأمر جرى