للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

طلب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - منه العفو، وإنما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ما قال بهذا اللفظ الذي هو صادق فيه للإيهام لمقصود صحيح، وهو أن الوليّ ربما خاف، فعفا، والعفو مصلحة للوليّ، والمقتولِ في دِينهما؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يبوء بإثمك، وإثم صاحبك"، وفيه مصلحة للجاني، وهو إنقاذه من القتل، فلمّا كان العفو مصلحة توصّل إليه بالتعريض.

وقد قال الضمريّ (١) وغيره، من علماء أصحابنا وغيرهم: يستحب للمفتي إذا رأى مصلحة في التعريض للمستفتي أن يُعَرِّض تعريضًا يحصل به المقصود، مع أنه صادق فيه، قالوا: ومثاله أن يسأله إنسان عن القاتل، هل له توبة؟ ويَظْهَر للمفتي بقرينة أنه إن أفتى بأن له توبة، ترتب عليه مفسدة، وهي أن الصائل يستهون القتل؛ لكونه يجد بعد ذلك منه مخرجًا، فيقول المفتي في الحالة هذه: صحّ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: لا توبة لقاتل، فهو صادق في أنه صح عن ابن عباس، وإن كان المفتي لا يعتقد ذلك، ولا يوافق ابن عباس في هذه المسألة، لكن السائل إنما يَفهم منه موافقته ابن عباس، فيكون سببًا لزجره، فهكذا، وما أشبه ذلك، كمن يُسأل عن الغيبة في الصوم، هل يُفطر بها؟ فيقول: جاء في الحديث: "الغيبة تفطر الصائم"، والله أعلم.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "القاتل والمقتول في النار"، فليس المراد به في هذين، فكيف تصحّ إرادتهما، مع أنه إنما أخذه ليقتله بأمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، بل المراد غيرهما، وهو إذا التقى المسلمان بسيفيهما في المقاتلة المحرَّمة، كالقتال عصبيةً، ونحو ذلك، فالقاتل والمقتول في النار، والمراد به التعريض، كما ذكرناه، وسبب قوله ما قدّمناه؛ لكون الوليّ يفهم منه دخوله في معناه، ولهذا ترك قتله، فحصل المقصود، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: التأويلان اللذان ذكرهما النوويّ في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن قتلته كنت مثله" نقلهما عن المازريّ، والقاضي عياض، وأحسن منهما ما يأتي في كلام القرطبيّ - رحمه الله -، الآتي بعدُ فتنبّه.


(١) هكذا النسخة، ولعله الصّيمريّ بالصاد المهملة، بعدها ياء، فليُحرّر.
(٢) "شرح النوويّ" ١١/ ١٧٣ - ١٧٤.