فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان آخذًا بنسعته (إِلَيْهِ)؛ أي: إلى أخي المقتول (بِنِسْعَتِهِ، وَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("دُونَكَ صَاحِبَكَ")؛ أي: خذه، فاصنع به ما شئت، و"دون" من أسماء الأفعال، كما قال في "الخلاصة":
قال القرطبيّ - رحمه الله -: إنما حَكَم بهذا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا تحقّق السبب، وتعذّر عليه الإصلاح، وبعد أن عَرَض على الوليّ العفو، فأبى، كما قاله ابن أشوع، وبعد أن عَلِم أنه لا مُستحقّ للدم إلا ذلك الطالب خاصّةً، ولو كان هناك مستحقّ آخر لتعيّن استعلام ما عنده من القصاص، أو العفو.
وفيه ما يدلّ على أن القاتل إذا تحقّق عليه السبب، وارتفعت الموانع لا يقتله الإمام، بل يدفعه للوليّ يفعل به ما يشاء، من قتل، أو عفو، أو حبس، إلى أن يرى رأيه فيه، ولا يسترقّه بوجه؛ لأن الحرّ لا يُملَك، قال القرطبيّ: ولا خلاف فيه فيما أعلمه. انتهى (١).
(فَانْطَلَقَ)؛ أي: ذهب (بِهِ الرَّجُلُ) أخو المقتول؛ ليقتله قصاصًا (فَلَمَّا وَلَّى)؛ أي: أدبر من مجلسه - صلى الله عليه وسلم - (قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ" وفي الرواية التالية: "القاتل والمقتول في النار"، وهذا قاله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن شفع إليه، وطلب منه أن يأخذ الدية، فيعفو عنه، ففي رواية النسائيّ:"فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لوليّ المقتول: أتعفو؟ قال: لا، قال: أتأخذ الدية؟ قال: لا، قال: فتقتله؟ قال: نعم، قال: اذهب به، فلما ذهب به، فولّى من عنده دعاه، فقال له: أتعفو؟ قال: لا، قال: أتأخذ الدية؟ قال: لا، قال: فتقتله؟ قال: نعم، قال: اذهب به. . ." الحديث.
وقال النوويّ - رحمه الله -: أما قوله: "إن قتله فهو مثله" فالصحيح في تأويله أنه مثله في أنه لا فَضْل، ولا مِنّة لأحدهما على الآخر؛ لأنه استوفى حقه منه، بخلاف ما لو عَفَى عنه، فإنه كان له الفضل والمنة، وجزيل ثواب الآخرة، وجميل الثناء في الدنيا، وقيل: فهو مثله في أنه قاتل، وإن اختلفا في التحريم والإباحة، لكنهما استويا في طاعتهما الغضب، ومتابعة الهوى، لا سيما وقد