وذكر صاحب "المطالع" الوجهين، ثم قال: الصواب رواية التنوين، قلنا: ومما يؤيده، ويوضحه رواية البخاريّ في "صحيحه" في "كتاب الديات" في "باب دية جنين المرأة"، عن المغيرة بن شعبة، قال:"قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغرة، عبدًا، أو أمةً"، وقد فَسَّر الغرة في الحديث بعبد، أو أمة.
قال العلماء: و"أو" هنا للتقسيم، لا للشك، والمراد بالغرة عبدٌ، أو أمةٌ، وهو اسم لكل واحد منهما، قال الجوهريّ: كأنه عبَّر بالغرة عن الجسم كله، كما قالوا: أعتق رقبة، وأصل الغرة: بياض في الوجه، ولهذا قال أبو عَمْرو - يعني: ابن العلاء -: المراد بالغرة: الأبيض منهما خاصة، قال: ولا يجزي الأسود، قال: ولولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد بالغرة معنى زائدًا، على شخص العبد والأمة، لَمَا ذَكَرها، ولاقتصر على قوله:"عبد، أو أمة". هذا قول أبي عمرو، وهو خلاف ما اتفق عليه الفقهاء: أنه تجزي فيها السوداء، ولا تتعيَّن البيضاء، وإنما المعتبَر عندهم أن تكون قيمتها عشر دية الأم، أو نصف عشر دية الأب، قال أهل اللغة: الغرة عند العرب أنفس الشيء، وأُطلقت هنا على الإنسان؛ لأن الله تعالى خلقه في أحسن تقويم.
وأما ما جاء في بعض الروايات، في غير "الصحيح": "بغرة عبد، أو أمة، أو فرس، أو بغل"، فرواية باطلة، وقد أخذ بها بعض السلف، وحُكِيَ عن طاوس، وعطاء، ومجاهد: أنها عبد، أو أمة، أو فرس، وقال داود: كل ما وقع عليه اسم الغرة يُجزي. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (١).
وقال في "الفتح": قال الإسماعيليّ: قرأه العامة بالإضافة، وغيرهم بالتنوين، وحَكَى القاضي عياض الخلاف، وقال: التنوين أوجه؛ لأنه بيان للغرة ما هي، وتوجيه الآخر أن الشيء قد يضاف إلى نفسه، لكنه نادر، وقال الباجي: يَحْتَمِل أن تكون "أو" شكًّا من الراوي في تلك الواقعة المخصوصة، ويَحْتَمِل أن تكون للتنويع، وهو الأظهر، وقيل: المرفوع من الحديث قوله: "بغرة"، وأما قوله:"عبد، أو أمة" فشك من الراوي في المراد بها، قال: وقال مالك: الحمرانُ أولى من السودان في هذا، وعن أبي عمرو بن العلاء قال: