وفي هذا الجواب نظر، فإن الذي يظهر أنه إنما لم يوجب فيه القود؛ لأنها لم يقصد مثلها، وشَرْط القوَد العمد، وهذا إنما هو شبه العمد، فلا حجة فيه للقتل بالمثقّل، ولا عكسه، قاله في "الفتح"(١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في دية الجنين:
قال العلامة ابن قُدامة - رحمه الله - ما حاصله: قول أكثر أهل العلم: إن في جنين الحرة المسلمة غُرّةً، وممن رُوي ذلك عنه: عمر بن الخطاب، وعطاء، والشعبيّ، والنخعيّ، والزهريّ، ومالك، والثوريّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وقد ثبت أنّ عمر - رضي الله عنه -، استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة:"شهدت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قضى فيه بغرّة عبد، أو أمة، قال: لتأتينّ بمن يشهد معك، فشهد له محمد بن مسلمة". متّفقٌ عليه.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى. . . وفيه:"فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن دية جنينها عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورَّثها ولدها، ومن معهم"، متفق عليه. والغرّة: عبد، أو أمة، سُمّيا بذلك لأنهما من أنفس الأموال، والأصل في الغرة الخيار.
[فإن قيل]: فقد رُوي في هذا الخبر: "أو فرس، أو بغل"؟.
[قلنا]: هذا لا يثبت، رواه عيسى بن يونس، ووَهِمَ فيه، قاله أهل النقل، والحديث الصحيح المتفق عليه إنما فيه عبد أو أمة.
قال: وإنما تجب الغرّة، إذا سقط من الضربة، ويُعلم ذلك بأن يسقط عقيب الضرب، أو ببقائها متألمة إلى أن يسقط، ولو قَتَل حاملًا لم يسقط جنينها، أو ضَرَب مَن في جوفها حركة، أو انتفاخ، فسَكَّنَ الحركةَ، وأذهبها لم يضمن الجنين، وبهذا قال مالك، وقتادة، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر.