للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحُكي عن الزهريّ أن عليه الغرةَ؛ لأن الظاهر أنه قتل الجنين، فلزمته الغرة، كما لو أسقطت.

وحجة الأولين أنه لا يثبت حكم الولد، إلا بخروجه، ولذلك لا تصح له وصية، ولا ميراث، ولأن الحركة يجوز أن تكون لريح في البطن سكنت، ولا يجب الضمان بالشك، فأما إذا ألقته ميتًا، فقد تحقق، والظاهر تَلَفُه من الضربة، فيجب ضمانه، سواء ألقته في حياتها، أو بعد موتها، وبهذا قال الشافعيّ، وأحمد؛ لأنه جنين تَلِف بجنايته، وعُلم ذلك بخروجه، فوجب ضمانه، كما لو سقط في حياتها، ولأنه لو سقط حيًّا ضَمِنه، فكذلك إذا سقط ميتًا، كما لو أسقطته في حياتها.

وقال مالك، وأبو حنيفة: إن ألقته بعد موتها لم يضمنه؛ لأنه يجري مجرى أعضائها، وبموتها سقط حكم أعضائها.

وتُعُقّب بأن هذا ليس بصحيح؛ لأنه لو كان كذلك، لكان إذا سقط ميتًا ثم ماتت، لم يضمنه كأعضائها، ولأنه آدمي موروث فلا يدخل في ضمان أمه، كما لو خرج حيًا.

فأما إن ظهر بعضه من بطن أمه، ولم يخرج باقيه ففيه الغرّة، وبه قال الشافعيّ، وأحمد؛ لأنه قاتِل لجنينها، فلزمته الغرة، كما لو ظهر جميعه، ويفارِق ما لو لم يظهر منه شيء؛ لأنه لم يتيقن قتله، ولا وجوده.

وقال مالك، وابن المنذر: لا تجب الغرة حتى تلقيه؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إنما أوجب الغرة في الجنين الذي ألقته المرأة، وهذه لم تُلق شيئًا، فأشبه ما لو لم يظهر منه شيء. انتهى كلام ابن قُدامة - رحمه الله - بتصرّف، واختصار (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في المراد بالغرّة:

قال ابن قُدامة - رحمه الله - ما ملخّصه: المراد بالغرّة في قول أكثر أهل العلم: هو عبد، أو أمة. وقال عروة، وطاوس، ومجاهد: عبد، أو أمة، أو فرس؛ لأن الغرة اسم لذلك، وقد جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: "قضى


(١) "المغني" بتصرّف، واختصار ١٢/ ٦٠ - ٦٣.