للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين بغرة: عبد، أو أمة، أو فرس، أو بغل"، وجعل ابن سيرين مكان الفرس مائة شاة، ونحوه، قال الشعبيّ: لأنه رُوي في حديث عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أنه جعل في ولدها مائة شاة، رواه أبو داود.

ورُوي عن عبد الملك بن مروان، أنه قضى في الجنين، إذا أُمْلِص بعشرين دينارًا، فإذا كان مضغة فأربعين، فإذا كان عظمًا فستين، فإذا كان العظم قد كُسي لحمًا فثمانين، فإن تمَّ خَلْقه، وكُسي شعره فمائة دينار، وقال قتادة: إذا كان عَلَقَة فثُلُث غرّة، وإذا كان مضغة فثلثي غرة.

وحجة الأولين قضاءُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في إملاص المرأة بعبد، أو أمة، وسُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاضية على ما خالفها، وذِكْر الفرس والبغل في الحديث وَهَمٌ، انفرد به عيسى بن يونس عن سائر الرواة، فالظاهر أنه وَهِمَ فيه، وهو متروك في البغل بغير خلاف، وكذلك في الفرس.

قال ابن قُدامة - رحمه الله -: وهذا الحديث الذي ذكرناه أصح ما رُوي فيه، وهو متفق عليه، وقد قال به أكثر أهل العلم، فلا يُلتفت إلى ما خالفه، وقول عبد الملك بن مروان تَحَكُّم بتقدير لم يَرِد به الشرع، وكذلك قتادة، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أحقّ بالاتباع من قولهما. انتهى كلام ابن قُدامة - رحمه الله - باختصار، وتصرّف (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي ذكره ابن قُدامة - رحمه الله -، من ترجيح قول الجمهور في المراد بالغرّة، وأن تقدير الشارع هو الأحقّ بالاتباع، هو الصواب؛ لوضوح أدلّته، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): إذا ثبت ما تقدّم فإنه تلزمه الغرّة، فإن أراد دفع بدلها، ورضي المدفوع إليه جاز؛ لأنه حقّ آدمي، فجاز ما تراضيا عليه، وأيهما امتنع من قبول البدل، فله ذلك؛ لأن الحقّ فيها، فلا يُقبَل بدلها إلا برضاهما، وتجب الغرة سالمة من العيوب، وإن قلَّ العيب؛ لأنه حيوان وجب بالشرع فلم يُقبل فيه المعيب، كالشاة في الزكاة؛ لأن الغرة الخيار؛ والمعيب ليس من


(١) "المغني" ١٢/ ٦٤ - ٦٥.