قال ابن قُدامة - رحمه الله -: إذا ضَرَب بطن امرأة، فألقت أجنة، ففي كل واحدة غرّة، وبهذا قال الزهريّ، ومالك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، قال: ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم، وذلك لأنه ضمان آدميّ، فتعدد بتعدده كالديات، وإن ألقتهم أحياء، في وقت يعيشون في مثله، ثم ماتوا ففي كل واحدة دية كاملة، وإن كان بعضهم حيًّا فمات، وبعضهم ميتًا ففي الحي دية، وفي الميت غرة. انتهى كلام ابن قُدامة - رحمه الله -، وهو بحث نفيس، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة العاشرة): في اختلاف أهل العلم، هل تتحمل العاقلة دية الجنين، أم لا؟:
قال ابن قُدامة - رحمه الله - أيضًا: وتَحْمِل العاقلة دية الجنين، إذا مات مع أمه، نَصَّ عليه أحمد، إذا كانت الجناية عليها خطأ، أو شِبْه عمد؛ لِمَا رَوَى المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قضى في الجنين بغرة عبد، أو أمة، على عصبة القاتلة"، وإن كان قتل الأم عمدًا، أو مات الجنين وحده لم تحمله العاقلة.
وقال الشافعيّ: تحمله العاقلة على كل حال، بناء على قوله: إن العاقلة تحمل القليل والكثير، والجناية على الجنين ليست بعمد؛ لأنه لا يتحقق وجوده، ليكون مقصودًا بالضرب.
قال: ولنا أن العاقلة لا تحمل ما دون الثلث، على ما ذكرناه، وهذا دون الثلث، وإذا مات وحده، أو من جناية عمد فدية أمه على قاتلها، فكذلك ديته؛ لأن الجناية لا يَحمل بعض ديتها الجاني، وبعضها غيره، فيكون الجميع على القاتل، كما لو قطع عمدًا، فَسَرَت الجناية إلى النفس. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه الشافعيّ أرجح؛ لظهور حجته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.