وقال النوويّ - رحمه الله -: قوله: "ضربتها بعمود فُسطاط"، هذا محمول على حجر صغير، وعمود صغير، لا يُقصَد به القتل غالبًا، فيكون شِبه عمد تجب فيه الدية على العاقلة، ولا يجب فيه قصاص، ولا دية على الجاني، وهذا مذهب الشافعيّ، والجماهير. انتهى.
(فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ: عَبْدٌ، أَوْ وَلِيدَةٌ) بفتح الواو، وكسر اللام: هي الأمة، وجَمْعها ولائد، (وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ)؛ أي: المقتولة (عَلَى عَاقِلَتِهَا)؛ أي: عاقلة القاتلة.
وقال أبو العبّاس القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "وقضى بدية المرأة على عاقلتها" فيه تلفيفٌ في الضمائر، أزالته الرواية الأخرى التي قال فيها:"فجعل دية المقتولة على عصبة القاتلة".
وقد احتجّ بظاهر الحديث من رأى أنه لا يُستقاد ممن قَتَل بمثقّل، وإنما عليه الدية، وهم الحنفيّة، ولا حجة لهم في ذلك؛ لِمَا تقدّم من أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد أقاد ممن قتل بحجر، كما تقدّم في حديث اليهوديّ، ولقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: ١٩٤]، والمماثلة بالمثقّل ممكنة، ولإمكان كون هذا القتل خطأ، أو شبه العمد، فاندفع القصاص بذلك، ولو سُلّم أنه كان عمدًا لكان ذلك برضا العصبة، وأولياء الدم، لا بالحكم، وكلّ ذلك مُحْتَمِلٌ، فلا حجة لهم فيه.
وفيه ما يدلّ على أن العاقلة تحمل الدية، وقد أجمع المسلمون على أنها تحمل دية الخطإ، وما زاد على الثلث، واختلفوا في الثلث، فقال الزهريّ: الثلث، فدونه هو في مال الجاني، ولا تحمله العاقلة. وقال سعيد بن المسيب: الثلث فما زاد على العاقلة، وما دون الثلث في مال الجاني، وبه قال مالك، وعطاء، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وأما ما دون الثلث فلا تحمله العاقلة عند من ذُكر، ولا عند أحمد. وقالت طائفة: عقل الخطإ على عاقلة الجاني، قلّت الجناية، أو كثرت، وهو قول الشافعيّ.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الإمام الشافعيّ - رحمه الله -، مِنْ تحمّل العاقلة عقل الخطإ مطلقًا هو الأرجح عندي؛ لإطلاق النصوص الواردة في ذلك، والله تعالى أعلم.