للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبيّ رحمه الله تعالى:

[فإن قيل]: كيف ألزم العاقلة الدية، والقتل عمدٌ، والعاقلة لا تعقل عمدًا، ولا صلحًا، ولا اعترافًا؟.

[فالجواب]: أن هذا الحديث خرّجه النسائيّ من حديث حمل بن مالك - رضي الله عنه -، وقال فيه: "قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنينها بغرّة، وأن تُقتل بها"، وهو طريقٌ صحيح، وهذا نصّ في أنه قضى بالقصاص من القاتلة، بخلاف الأحاديث المتقدّمة، فإن فيها: أنه قضى على العاقلة بالدية.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: في تصحيحه الحديث على الإطلاق، نظر، فإن هذه الزيادة - وهي قوله: "وأن تُقتل المرأة" - غير صحيحة، كما بيّنته في "شرح النسائيّ"، فراجعه تستفد.

قال: ووجه التلفيق، وبه يحصل الجواب على التحقيق: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بقتل القاتلة أوّلًا، ثم إن العصبة، والأولياء اصطلحوا، على أن التزم العصبة الدية، ويعفو الأولياء، فقضى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالدية على العصبة، لَمّا التزموها، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ - رحمه الله - من كون قتل هذه المرأة عمدًا، وأن القصاص كان واجبًا، إلا أنهم اصطلحوا على الدية، وهو مقتضى ما مشى عليه النسائيّ في "باب قتل المرأة بالمرأة" (١١/ ٤٧٤١)، حيث استدلّ بالحديث على مشروعيّة قتل المرأة إذا قتلت امرأة عمدًا، لكنه خالف ذلك في الباب التالي حيث استدلّ بالحديث على أن هذا من شبه العمد، وليس عمدًا، وأن الواجب فيه الدية على العاقلة، وهذا هو الحقّ؛ لأن زيادة: "وأن تُقتل المرأة" غير صحيحة، وأحاديث أبي هريرة، والمغيرة بن شعبة - رضي الله عنهما -، على خلافها، كما حقّقته في "شرح النسائيّ" (٢)، والله تعالى أعلم.

وقوله: (وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا، وَمَنْ مَعَهُمْ) وفي رواية: "وورّثها عصبتها، ومن معهم": قال القرطبيّ: أعاد الضمير الأول على الدية، والثاني على المقتولة،


(١) "المفهم" ٥/ ٦٥ - ٦٧.
(٢) راجع: "ذخيرة العقبى" ٣٦/ ٢٣١ - ٢٤١.