للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال النوويّ: قال العلماء: إنما ذم سجعه لوجهين:

[أحدهما]: أنه عارَضَ به حكمَ الشرع، ورام إبطاله.

[والثاني]: أنه تكلفه في مخاطبته، وهذان الوجهان من السجع مذمومان، وأما السجع الذي كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقوله في بعض الأوقات، وهو مشهور في الحديث، فليس من هذا؛ لأنه لا يعارَض به حكم الشرع، ولا يتكلفه، فلا نهي فيه، بل هو حسن، ويؤيد ما ذكرنا من التأويل، قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كسجع الأعراب"، فأشار إلى أن بعض السجع هو المذموم، والله أعلم. انتهى (١).

وقال في "الفتح" - عند قوله: "فقال حَمَل بن النابغة. . . إلخ" -: وفي رواية عبد الرحمن بن خالد: "فقال وليّ المرأة التي غُرِّمت: كيف أَغْرَمُ يا رسول الله، من لا شَرِب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل؟ فمثل ذلك يُطَلّ، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: إنما هذا من إخوان الكهان"، وفي مرسل سعيد بن المسيب عند مالك: "قضى في الجنين يُقتَل في بطن أمه، بغرة: عبد، أو وليدة"، وفي رواية الليث، من طريق سعيد، الموصولة نحوه عند الترمذي، ولكن قال: "إن هذا ليقول بقول شاعر، بل فيه غرة"، وفيه: "ثم إن المرأة التي قضي عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها"، وفي رواية عكرمة، عن ابن عباس: "فقال عمها: إنها قد أسقطت غلامًا، قد نبت شعره، فقال أبو القاتلة: إنه كاذب، إنه والله ما استهلّ، ولا شرب ولا أكل، فمثله يُطَلّ، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أسجع كسجع الجاهلية، وكهانتها؟ "، وفي رواية عُبيد بن نُضَيلة، عن المغيرة - رضي الله عنه -: "فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية المقتولة على عصبة القاتلة، وغرّةً لِمَا فيه بطنها، فقال رجل من عصبة القاتلة: أنغرم من لا أكل"، وفي آخره: "أسجعٌ كسجع الأعراب؟ وجعل عليهم الدية"، وفي حديث عُويم، عند الطبراني: "فقال أخوها، العلاء بن مسروح: يا رسول الله، أنغرم من لا شرب، ولا أكل، ولا نطق ولا استهلّ؟ فمثل هذا يطلّ، فقال: أسجع كسجع الجاهلية؟ "، ونحوه عند أبي يعلى، من حديث جابر، لكن قال: "فقالت عاقلة القاتلة"، وعند البيهقي، من حديث أسامة بن


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ١٧٨.