(المسألة الخامسة): في ذكر المذاهب في القدر الذي يُقطع فيه السارق:
[الأول]: يقطع في كل قليل وكثير، تافهًا كان أو غير تافه، نُقل ذلك عن أهل الظاهر، والخوارج، ونُقل عن الحسن البصريّ، وبه قال أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعيّ.
[الثاني]: وهو مقابل هذا القول في الشذوذ: ما نقله عياض، ومن تبعه، عن إبراهيم النخعيّ: أن القطع لا يجب إلا في أربعين درهمًا، أو أربعة دنانير.
[الثالث]: مثل الأول، إلا إن كان المسروق شيئًا تافهًا؛ لحديث عروة:"لم يكن القطع في شيء من التافه"، ولأن عثمان قطع في فَخارة خسيسة، وقال لمن يسرق السياط:"لَئِن عُدتم لأقطعن فيه"، وقطع ابن الزبير في نعلين، أخرجهما ابن أبي شيبة. وعن عمر بن عبد العزيز: أنه قطع في مُدّ، أو مدّين.
[الرابع]: تُقطع في درهم فصاعدًا، وهو قول عثمان الْبَتِّيّ - بفتح الموحدة، وتشديد المثناة - من فقهاء البصرة، وربيعة من فقهاء المدينة، ونسبة القرطبي إلى عثمان، فأطلق ظنًا منه أنه الخليفة، وليس كذلك.
[الخامس]: في درهمين، وهو قول الحسن البصريّ، جزم به ابن المنذر عنه.
[السادس]: فيما زاد على درهمين، ولو لم يبلغ الثلاثة، أخرجه ابن أبي شيبة بسند قويّ، عن أنس: أن أبا بكر - رضي الله عنهما - قطع في شيء ما يساوي درهمين، وفي لفظ: لا يساوي ثلاثة دراهم.
[السابع]: في ثلاثة دراهم، ويُقَوَّم ما عداها بها، ولو كان ذهبًا، وهي رواية عن أحمد، وحكاه الخطابيّ عن مالك.
[الثامن]: مثله، لكن إن كان المسروق ذهبًا، فنصابه ربع دينار، وإن كان غيرهما، فإن بلغت قيمته ثلاثة دراهم قطع به، وإن لم تبلغ لم يقطع، ولو كان نصف دينار، وهذا قول مالك، عند أتباعه، وهي رواية عن أحمد، واحتُجَّ له بما أخرجه أحمد، من طريق محمد بن راشد، عن يحيى بن يحيى الغسّاني، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة - رضي الله عنها -، مرفوعًا:"اقطعوا في ربع دينار، ولا تقطعوا في أدنى من ذلك، قالت: وكان ربع دينار، قيمته يومئذ ثلاثة دراهم"، والمرفوع من هذه الرواية نصّ، في أن المعتمَد والمعتبَر في ذلك الذهب، والموقوف منه يقتضي أن الذهب يُقَوَّم بالفضة، وهذا يمكن تأويله، فلا يرتفع به النصّ الصريح.