للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قطع فيما دون ذلك، قال: واعتمادُ الشافعيّ على حديث عائشة - رضي الله عنها - وهو قول - أقوى في الاستدلال، من الفعل المجرد، وهو قويّ في الدلالة على الحنفية؛ لأنه صريح في القطع في دون القدر الذي يقولون بجواز القطع فيه، ويدل على القطع فيما يقولون به بطريق الفحوى، وأما دلالته على عدم القطع في دون ربع دينار، فليس هو من حيث منطوقه، بل من حيث مفهومه، فلا يكون حجة على من لا يقول بالمفهوم.

قال الحافظ: وقرر الباجيّ طريق الأخذ بالمفهوم هنا، فقال: دلّ التقويم على أن القطع يتعلق بقدر معلوم، وإلا فلا يكون لذكره فائدة، وحينئذ فالمعتمد ما ورد به النصّ صريحًا مرفوعًا، في اعتبار ربع دينار.

وقد خالف من المالكية في ذلك من القدماء ابنُ عبد الحكم، وممن بعدهم ابن العربي، فقال: ذهب سفيان الثوريّ مع جلالته في الحديث، إلى أن القطع لا يكون إلا في عشرة دراهم، وحجته أن اليد محترمة بالإجماع، فلا تستباح إلا بما أُجمع عليه، والعشرة متفق على القطع فيها عند الجميع، فيُتَمَسَّك به ما لم يقع الاتفاق على ما دون ذلك.

وتُعُقّب بأن الآية دلت على القطع، في كل قليل وكثير، وإذا اختلفت الروايات في النصاب، أُخِذ بأصح ما ورد في الأقل، ولم يصح أقل من ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، فكان اعتبار ربع دينار أقوى من وجهين:

[أحدهما]: أنه صريح في الحصر، حيث ورد بلفظ: "لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدًا"، وسائر الأخبار الصحيحة الواردة حكاية فعل، لا عموم فيها.

[والثاني]: أن المعوَّل عليه في القيمة الذهب؛ لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها، ويؤيده ما نَقَل الخطابي استدلالًا على أن أصل النقد في ذلك الزمان الدنانير، بأن الصكاك القديمة، كان يُكتب فيها عشرة دراهم، وزن سبعة مثاقيل، فعُرفت الدراهم بالدنانير، وحُصرت بها، والله أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد اتَّضح بما سبق أن الحقّ اعتبار النصاب لوجوب القطع في السرقة؛ لصحّة الأحاديث الواردة في ذلك، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "الفتح" ١٥/ ٥٨٣ - ٥٨٤.