للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ: ورواية مسلم في رعاء البَهْم من غير ذكر الإبل أولى؛ لأنها الأنسب لمساق الحديث ولمقصوده، فإن مقصوده أن أضعف أهل البادية، وهم رعاء الشاء سينقلب بهم الحال إلى أن يصيروا ملوكًا، مع ضعفهم وبُعدهم عن أسباب ذلك، وأما أصحاب الإبل فهم أهل الفخر والخيلاء؛ فإن الإبل عزّ لأهلها، ولأن أهل الإبل ليسوا عالةً، ولا فقراء غالبًا. انتهى (١).

ووقع في رواية البخاريّ: "رُعَاء الإبل الْبُهْم"، قال في "الفتح": قوله: "رِعَاة الإبل" هو بضم الراء، جمع راع، كقُضَاةٍ وقاضٍ، والْبُهْم بضم الموحدة، ووقع في رواية الأصيلي بفتحها، ولا يتجه مع ذكر الإبل، وإنما يتجه مع ذكر الشِّيَاه، أو مع عدم الإضافة، كما في رواية مسلم "رِعَاء الْبَهْم"، وميم "البهم" في رواية البخاري يجوز ضمها، على أنه صفة الرعاة، ويجوز الكسر على أنها صفة الإبل، يعني الإبل السُّود، وقيل: إنها شَرّ الألوان عندهم، وخيرها الْحُمْر التي ضُرِب بها المثل، فقيل: "خير من حُمْر النعم"، ووصف الرعاة بـ "البهم" إما لأنهم مجهولو الأنساب، ومنه أُبْهِم الأمر، فهو مبهم، إذا لم تُعرَف حقيقته. وقال القرطبي: الأَولى أن يُحمَل على أنهم سُود الألوان؛ لأن الأُدْمة غالب ألوانهم، وقيل: معناه أنهم لا شيء لهم، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يُحْشَر الناس حُفاةً عُرَاةً بُهْمًا"، قال: وفيه نظر؛ لأنه قد نُسِب له الإبل، فكيف يقال: لا شيء لهم؟

قال الحافظ: يُحمَل على أنها إضافة اختصاص، لا ملك، وهذا هو الغالب أن الراعي يَرعَى لغيره بالأجرة، وأما المالك فقَلَّ أن يباشر الرَّعْي بنفسه (٢). وقد تقدّم البحث في هذا في الباب الماضي بأتمَّ مما هنا، فراجعه تستفد.

(فِي الْبُنْيَانِ) أي: في تطويله (فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، فِي خَمْسٍ) أي: عِلْمُ وقت الساعة داخل في جملة خمس، وحَذْفُ مُتَعَلَّق الجارّ سائغ، كما في قوله تعالى: {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} [النمل: ١٢]، أي: اذْهَبْ إلى فرعون بهذه الآية، في جملة تسع آيات.


(١) "المفهم" ١/ ١٥٠ - ١٥١.
(٢) راجع: "الفتح" ١/ ١٥٠.