وقال القاضي عياض: جَوَّز بعضهم لعن المعيَّن، ما لم يُحَدَّ؛ لأن الحدّ كفارة، قال: وليس هذا بسديد؛ لثبوت النهي عن اللعن في الجملة، فحَمْله على المعيَّن أولى، وقد قيل: إن لعن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لأهل المعاصي، كان تحذيرًا لهم عنها قبل وقوعها، فإذا فعلوها استغفر لهم، ودعا لهم بالتوبة، وأما من أغلظ له، ولعنه تأديبًا على فعلٍ فَعَله، فقد دخل في عموم شرطه، حيث قال:"سألت ربي أن يجعل لعني له كفارة ورحمة".
قال الحافظ: هو مقيَّد بما إذا صدر في حق من ليس له بأهل، كما قيّد له بذلك في "صحيح مسلم".
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله الحافظ هو الحقّ؛ لِمَا في "صحيح مسلم" من طريق إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كانت عند أم سليم يتيمة - وهي أم أنس - فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليتيمة، فقال:"آنت هيه؟ لقد كبرتِ، لا كَبِر سنّك"، فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي، فقالت أم سليم: ما لكِ يا بنية؟ قالت الجارية: دعا عليّ نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم -، أن لا يكبر سني، فالآن لا يكبر سني أبدًا، أو قالت: قرني، فخرجت أم سليم، مستعجلة، تَلُوثُ خمارها حتى لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لك يا أم سليم؟ "، فقالت: يا نبي الله، أدعوت على يتيمتي؟ قال:"وما ذاكِ يا أم سليم؟ "، قالت: زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها، ولا يكبر قرنها، قال: فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال:"يا أم سليم، أما تعلمين أن شرطي على ربي، أني اشترطت على ربي، فقلت: إنما أنا بشر أَرْضَى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيّما أحد دعوت عليه، من أمتي بدعوة، ليس لها بأهل، أن يجعلها له طَهُورًا، وزكاة، وقربة يُقَرِّبه بها منه يوم القيامة".
فقد تبيّن بهذا أن لعنه - صلى الله عليه وسلم - إنما يكون كفارة ورحمة، إذا كان الملعون لا يستحقّه، وإلا فلا. والله تعالى أعلم.
(يَسْرِقُ) بكسر الراء، من باب ضرب، (الْبَيْضَةَ) بفتح الموحّدة، وسكون التحتانيّة؛ أي: بيضة الدجاجة، (فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ) بفتح، فسكون