(فَتُقْطَعُ يَدُهُ") هذا مَثَلٌ لتقليل مسروقه بالنظر إلى يده المقطوعة، فكأنه كالبيضة، والحبل، مما لا قيمة له، وقيل: المراد أنه يسرق البيضة، والحبل أوّلًا، ثم يجترئ إلى أن تُقطع يده. وقيل: المراد بالبيضة بيضة الحديد، وبالحبل حبل السفينة، وكلّ واحد منهما له قيمة، ولا يخفى أنه لا يناسب سياق الحديث، فإنه مسوقٌ لتحقير مسروقه، وتعظيم عقوبته.
قال البخاريّ في "صحيحه" - بعد أن أخرج الحديث -: قال الأعمش: كانوا يَرون أنه بيض الحديد، والحبلُ كانوا يرون أنه منها ما يُساوي دراهم. انتهى.
قال في "الفتح": قوله: "كانوا يَرون" بفتح أوله، من الرأي، وبضمه من الظن.
قال الخطابي: تأويل الأعمش هذا، غير مطابق لمذهب الحديث، ومَخْرَج الكلام فيه، وذلك أنه ليس بالشائع في الكلام، أن يقال في مثل ما ورد فيه الحديث، من اللوم، والتثريب: أخزى الله فلانًا، عَرَّض نفسه للتلف في مال له قدر ومزيّة، وفي عَرَض له قيمة، إنما يُضرب المثل في مثله بالشيء الذي لا وزن له، ولا قيمة، هذا حُكم العرف الجاري في مثله، وإنما وَجْه الحديث، وتأويله ذم السرقة، وتهجين أمرها، وتحذير سُوء مَغَبَّتها فيما قَلَّ، وكَثُر من المال؛ كأنه يقول: إن سرقة الشيء اليسير، الذي لا قيمة له؛ كالبيضة الْمَذِرَة، والحبل الخَلَق، الذي لا قيمة له، إذا تعاطاه، فاستمرت به العادة، لم ييأس أن يؤديه ذلك إلى سرقة ما فوقها، حتى يبلغ قدر ما تُقطع فيه اليد، فتقطع يده؛ كأنه يقول: فليحذر هذا الفعل، وليتوَقّه، قبل أن تملكه العادة، ويَمْرَن عليها؛ لِيَسْلَم من سوء مغبته، ووَخِيم عاقبته.
وسبق الخطابي إلى ذلك أبو محمد بن قتيبة، فيما حكاه ابن بطال، فقال: احتج الخوارج بهذا الحديث، على أن القطع يجب في قليل الأشياء وكثيرها، ولا حجة لهم فيه، وذلك أن الآية لَمّا نزلت قال - صلى الله عليه وسلم - ذلك على ظاهر ما نزل، ثم أعلمه الله أن القطع لا يكون إلا في ربع دينار، فكان بيانًا لِمَا أُجمل، فوجب المصير إليه، قال: وأما قول الأعمش: إن البيضة في هذا الحديث بيضة الحديد، التي تُجعل في الرأس في الحرب، وأن الحبل من حبال