لهم، وزجرًا عن انتهاك شيء منها، ولا يكون لمعين؛ لئلا يَقنَط، قال: فإن كان هذا مراد البخاريّ، فهو غير صحيح؛ لأنه إنما نَهَى عن لعن الشارب، وقال:"لا تُعينوا عليه الشيطان"، بعد إقامة الحد عليه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: حديث لعن الشارب هو ما أخرجه البخاريّ في "صحيحه" من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلًا على عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، كان اسمه عبد الله، وكان يُلَقّب حِمَارًا، وكان يُضحِكُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قد جَلَده في الشراب، فأُتي به يومًا، فأَمر به، فَجُلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يُؤتَى به؟، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ، إنه يحب الله ورسوله"(١).
وأخرج من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: أُتي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بسكران، فأَمر بضربه، فمنا من يضربه بيده، ومنا من يضربه بنعله، ومنا من يضربه بثوبه، فلما انصرف قال رجل: ما له أخزاه الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم".
قال في "الفتح": قوله: "باب ما يُكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج من الملة"، يشير إلى طريق الجمع بين ما تضمّنه حديث الباب من النهي عن لعنه، وما تضمّنه حديث الباب الأول:"لا يشرب الخمر، وهو مؤمن"، وأن المراد به نفي كمال الإيمان، لا أنه يخرج عن الإيمان جملة، وعَبّر بالكراهة هنا إشارة، إلى أن النهي للتنزيه، في حقّ من يستحقّ اللعن، إذا قصد به اللاعن محض السبّ، لا إذا قصد معناه الأصلي، وهو الابعاد عن رحمة الله، فأما إذا قَصَده، فيحرم، ولا سيما في حق من لا يستحق اللعن؛ كهذا الذي يحب الله ورسوله، ولا سيما مع إقامة الحد عليه، بل يندب الدعاء له بالتوبة والمغفرة، وبسبب هذا التفصيل عدل عن قوله، في الترجمة: كراهية لعن شارب الخمر إلى قوله: "ما يكره من لعن شارب الخمر"، فأشار بذلك إلى التفصيل، وعلى هذا التقرير، فلا حجة فيه لمنع لعن الفاسق المعيّن مطلقًا، وقيل: إن المنع خاص بما يقع في حضرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لئلا يتوهم الشارب عند