عدم الإنكار أنه مستحق لذلك، فربما أوقع الشيطان في قلبه ما يتمكن به من فَتْنه، وإلى ذلك الإشارة بقوله، في حديث أبي هريرة:"لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم"، وقيل: المنع مطلقًا في حق من أقيم عليه الحد؛ لأن الحد قد كفّر عنه الذنب المذكور، وقيل: المنع مطلقًا في حق ذي الزَّلَّة، والجواز مطلقًا في حق المجاهرين، وصوّب ابن المنيّر أن المنع مطلقًا في حق المعيّن، والجواز في حق غير المعيّن؛ لأنه في حق غير المعيّن زجرٌ عن تعاطي ذلك الفعل، وفي حق المعيّن أَذّى له وسبّ، وقد ثبت النهي عن أذى المسلم، واحتج من أجاز لعن المعين، بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، إنما لعن من يستحق اللعن، فيستوي المعين وغيره.
وتُعقب بأنه إنما يستحق اللعن بوصف الإبهام، ولو كان لَعْنه قبل الحد جائزًا، لاستمر بعد الحد، كما لا يسقط التغريب بالجلد، وأيضًا فنصيب غير المعيّن من ذلك يسير جدًّا. والله أعلم.
وقال النووي في "الأذكار": وأما الدعاء على إنسان بعينه، ممن اتصف بشيء من المعاصي، فظاهر الحديث أنه لا يحرم، وأشار الغزالي إلى تحريمه، وقال في "باب الدعاء على الظلمة"، بعد أن أورد أحاديث صحيحة في الجواز، قال الغزالي: وفي معنى اللعن الدعاء على الإنسان بالسوء، حتى على الظالم، مثل:"لا أصح الله جسمه"، وكلّ ذلك مذموم. انتهى.
قال الحافظ: والأَولى حمل كلام الغزالي على الأول، وأما الأحاديث، فتدل على الجواز كما ذكره النوويّ، في قوله - صلى الله عليه وسلم - للذي قال:"كل بيمينك"، فقال: لا أستطيع، فقال:"لا استطعت"، فيه: دليل على جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعيّ، ومال هنا إلى الجواز قبل إقامة الحد، والمنع بعد إقامته، وصنيع البخاريّ يقتضي لعن المتَّصف بذلك، من غير أن يعيّن باسمه، فيجمع بين المصلحتين؛ لأن لعن المعيّن، والدعاء عليه، قد يحمله على التمادي، أو يُقَنِّطه من قبول التوبة، بخلاف ما إذا صُرف ذلك إلى المتصف، فإن فيه زجرًا وردعًا عن ارتكاب ذلك، وباعثًا لفاعله على الإقلاع عنه، ويقوّيه النهي عن التثريب على الأمة، إذا جُلِدت على الزنا.