للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وسيكون لنا عودة إلى تمام هذا البحث في "كتاب القدر" عند شرح حديث: "فإن "لو" تفتح عمل الشيطان" - إن شاء الله تعالى -.

وقد ذكر ابن ماجه عن محمد بن رُمح شيخِهِ في هذا الحديث: سمعت الليث يقول عقب هذا الحديث: قد أعاذها الله من أن تَسْرِق، وكلُّ مسلم ينبغي له أن يقول هذا.

ووقع للشافعيّ أنه لَمّا ذَكَر هذا الحديث قال: فذكر عضوًا شريفًا من امرأة شريفة، واستحسنوا ذلك منه لِمَا فيه من الأدب البالغ.

وإنما خَصّ - صلى الله عليه وسلم - فاطمة ابنته بالذِّكر؛ لأنها أعز أهله عنده، ولأنه لم يبق من بناته حينئذ غيرها، فأراد المبالغة في إثبات إقامة الحدّ على كل مكلَّف، وتَرْك المحاباة في ذلك، ولأن اسم السارقة وافق اسمها - رضي الله عنها -، فناسب أن يُضرَب المثل بها، قاله في "الفتح" (١).

وقال الحافظ وليّ الدين العراقيّ - رحمه الله -: قوله: "لو كانت فاطمة. . . إلخ": فيه مبالغةٌ في النهي عن المحاباة في حدود الله تعالى، وإن فُرِضت في أبعد الناس من الوقوع فيها، وقد قال الليث بن سعد - رحمه الله - بعد روايته لهذا الحديث: وقد أعاذها الله من ذلك؛ أي: حَفِظها من الوقوع في ذلك، وحماها منه؛ إذ هي بِضْعةٌ من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهذا كقوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤)} الآية [الحاقة: ٤٤]، وهو معصوم من ذلك، وقد سمعنا أشياخنا - رحمهم الله - عند قراءة هذا الحديث يقولون: أعاذها الله من ذلك، وبلغنا عن الإمام الشافعيّ - رحمه الله - أنه لم يَنْطِق هذا اللفظ إعظامًا لفاطمة - رضي الله عنها -، وإجلالًا لمحلها، وإنما قال: فذكر عضوًا شريفًا من امرأة شريفة، وما أحسن هذا، وأنزهه، والظاهر أن ذكر فاطمة - رضي الله عنها - دون غيرها؛ لأنها أفضل نساء زمانها، فهي عائشة (٢) في النساء لا شيء بعدها، فلا يحصل تأكيد المبالغة إلا بذكرها، وانضم إلى هذا أنها عضو من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك فلم يحمله ذلك على


(١) "الفتح" ١٥/ ٥٦٧، كتاب "الحدود" رقم (٦٧٨٨).
(٢) هكذا نسخة "الطرح"، وفيها ركاكة، ولعل الصواب: "فهي وعائشة في النساء لا شيء بعدهما"؛ أي: في الفضل، فليُحرّر، والله تعالى أعلم.