جاحد الوديعة، والمرأة التي كانت تستعير المتاع، إنما قُطعت لسرقتها، لا بجحدها، ألا ترى قوله:"إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه"، وقولَهُ: و"الذي نفسي بيده، لو كانت فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم -، لقطعت يدها"، وفي بعض ألفاظ رواية هذه القصة، عن عائشة:"أن قريشًا أهمَّهم شأن المخزومية، التي سرقت"، وذكرت القصة، رواه البخاريّ، وفي حديث:"أنها سرقت قَطِيفة"، فروى الأثرم بإسناده، عن مسعود بن الأسود، قال:"لَمّا سَرَقت المرأة تلك القطيفة، من بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أعظمنا ذلك، وكانت امرأة من قريش، فجئنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلنا: نحن نَفْديها بأربعين أوقية، قال: تُطَهَّر خير لها، فلما سمعنا لِين قولِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أتينا أسامة، فقلنا: كَلِّم لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . ." وذكر الحديث، نحو سياق عائشة، وهذا ظاهر في أن القصة واحدة، وأنها سرقت، فقُطعت بسرقتها، وإنما عَرَّفَتها عائشة بجحدها للعارية؛ لكونها مشهورة بذلك، ولا يلزم أن يكون ذلك سببًا، كما لو عَرَّفتها بصفة من صفاتها، وفيما ذكرنا جمعٌ بين الأحاديث، وموافقة لظاهر الأحاديث، والقياس، وفقهاء الأمصار، فيكون أولى، فأما جاحد الوديعة، وغيرها من الأمانات، فلا نعلم أحدًا يقول بوجوب القطع عليه. انتهى كلام ابن قُدامة - رحمه الله - (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: قال الحافظ - رحمه الله -: قول سفيان المتقدم: ذهبت أسأل الزهريّ، عن حديث المخزومية التي سرقت، فصاح عليَّ مما يَكثر السؤال عنه، وعن سببه، وقد أوضح ذلك بعض الرواة، عن سفيان، فرأينا في كتاب "المحدِّث الفاصل" لأبي محمد الرامهرمزيّ، من طريق سليمان بن عبد العزيز، أخبرني محمد بن إدريس، قال: قلت لسفيان بن عيينة: كم سمعت من الزهريّ؟ قال: أما مع الناس، فما أحصي، وأما وحدي فحديث واحد، دخلت يومًا من باب بني شيبة، فإذا أنا به جالس إلى عمود، فقلت: يا أبا بكر، حدثني حديث المخزومية، التي قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدها، قال: فضرب وجهي بالحصى، ثم