للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منسوخ بالجلد المذكور في النُّور، وفي حق الثيِّب بالرَّجم المجمَع عليه، وهذا ليس بصحيح؛ لِمَا ذكرناه أوّلًا، ولأن الجمع بين الحبس، والجلد، والرَّجم ممكن، فلا تعارض، وهو شَرْط النسخ مع عِلْم المتأخِّر من المتقدِّم. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١).

وقال الطيبيّ - رحمه الله -: التكرير في قوله: "خُذوا عنّي" يدلّ على ظهور أمر قد خَفِي شأنه، وأُبْهِمَ بيانه، فإن قوله: "قد جعل الله لهن سبيلًا" مبهَم في التنزيل، ولم يُعلم ما تلك السبيل؛ أي: الحدّ الثابت في حقّ المحصَن وغيره، فقوله: "البكر بالبكر" إلى آخره بيان للمبهم، وتفصيل للمجمَل، على طريقة الاستئناف؛ مصداقًا لقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]، والتقسيم حاصرٌ من حيث المفهوم؛ لأن اللاتي يأتين الفاحشة لا تخلو إما أن تكون بكرًا، أو ثيّبًا، والأُولى إما زنت بالبكر، أو بالثيّب، والثانية أيضًا كذلك، فبيَّن في الحديث ما حدّ البكر بالبكر، والثيّب بالثيّب، وتَرَك ذِكر الثيّب مع البكر؛ لظهوره، ولحديث العسيف الآتي. انتهى (٢).

(قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) قال التوربشتيّ - رحمه الله -: كان هذا القول حين شُرع الحدّ في الزاني والزانية، والسبيل هنا الحدّ؛ لأنه لم يكن مشروعًا ذلك الوقت، وكان الحكمُ فيه ما ذُكر في كتاب الله - عز وجل -: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥)} [النساء: ١٥].

(الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ)؛ أي: زنا البكر بالبكر، وهو مبتدأ، خبره قوله: (جَلْدُ مِائَةٍ)؛ أي: حدّ زنا البكر جلد مائة؛ أي: ضربه مائة مرّة، يقال: جلدت الجاني جَلْدًا، من باب ضرب: ضربته بالْمِجْلَد - بكسر الميم - وهو السَّوْط، الواحدة جَلْدَةٌ، مثلُ ضَرْب، وضَرْبة (٣).


(١) "المفهم" ٥/ ٨٠ - ٨١.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٥١٣.
(٣) "المصباح المنير" ١/ ١٠٤.