للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لم يكن لها زوج، ولا سيد، وتابعه مالك، وأصحابه، فقالوا: إذا حبلت، ولم يُعْلَم لها زوج، ولا سيد، ولا عرفنا إكراهها لزمها الحدّ، إلا أن تكون غريبة طارئة، وتَدَّعي أنه من زوج، أو سيد، قالوا: ولا تُقبل دعواها الإكراه إذا لم تَقُم بذلك مستغيثةً عند الإكراه، قبل ظهور الحمل.

وقال الشافعيّ، وأبو حنيفة، وجماهير العلماء: لا حدّ عليها بمجرد الحبل، سواء كان لها زوج، أو سيّد، أم لا، وسواء الغريبة وغيرها، وسواء ادّعَت الإكراه أم سكتت، فلا حدّ عليها مطلقًا إلا ببينة، أو اعتراف؛ لأن الحدود تسقط بالشبهات. انتهى (١).

وقال الشوكانيّ - رحمه الله - عند ذكر الخلاف: وذهب الجمهور إلى أن مجرد الحبل لا يثبت به الحدّ، بل لا بُدّ من الاعتراف، أو البينة، واستدلّوا بالأحاديث الواردة في درء الحدود بالشبهات.

والحاصل: أن هذا من قول عمر - رضي الله عنه -، ومثل ذلك لا يثبت به مثل هذا الأمر العظيم الذي يفضي إلى هلاك النفوس، وكونه قاله في مجمع من الصحابة، ولم يُنْكَر عليه لا يستلزم أن يكون إجماعًا، كما بيّنا ذلك في غير موضع من هذا الشرح؛ لأن الإنكار في مسائل الاجتهاد غير لازم للمخالف، ولا سيما والقائل بذلك عمر، وهو بمنزلة من المهابة في صدور الصحابة وغيرهم، اللهم إلا أن يُدّعَى أن قوله: "إذا قامت البينة، أو كان الْحَبَل، أو الاعتراف" من تمام ما يرويه عن كتاب الله تعالى، ولكنه خلاف الظاهر؛ لأن الذي كان في كتاب الله هو ما أسلفنا في أول كتاب الحدود. انتهى كلام الشوكانيّ - رحمه الله - (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما ذهب إليه الجمهور من عدم الحدّ بالحبل إلا بالبيّنة، أو الاعتراف هو الأرجح؛ لقوّة حجتهم، كما مرّ تفصيله، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رحمه الله - أوّل الكتاب قال:

[٤٤١١] (. . .) - (وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَابْنُ أَيِ عُمَرَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ).


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ١٩٢.
(٢) "نيل الأوطار" ٧/ ٢٧٣.