أموالًا، فقيل: حكمه حكم الكافر الأصليّ إذا أسلم، لا يؤخذ بشيء مما أحدثه في حال ارتداده، وقال الشافعي في أحد قوليه: يلزمه كلُّ حقّ لله عز وجل وللآدميّ، بدليل أن حقوق الآدميين تلزمه، فوجب أن تلزمه حقوق الله تعالى، وقال أبو حنيفة: ما كان لله يَسقُط، وما كان للآدمي لا يسقط، قال ابن العربي: وهو قول علمائنا؛ لأن الله تعالى مُستغنٍ عن حقه، والآدمي مفتقر إليه، ألا ترى أن حقوق الله عز وجل لا تجب على الصبيّ، وتلزمه حقوق الآدميين؟ قالوا: وقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} عام في الحقوق لله تعالى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه الإمام مالك، وصوّبه ابن العربيّ من أن ما مضى قبل الإسلام من مال، أو دم، أو شيء يسقط عنه بالإسلام مطلقًا هو الأرجح؛ لظاهر قوله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}، وظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن العاص - رضي الله عنه -: "أما عَلمت أن الإسلام يَهدِم ما كان قبله؟ "، فإنه - صلى الله عليه وسلم - ما استثنى له شيئًا، لا من حقوق الله تعالى، ولا من حقوق العباد، فتأمّله بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في توبة قاتل المؤمن عمدًا: قال أبو عبد الله القرطبيّ رحمه الله تعالى في "تفسيره": واختلف العلماء في قاتل العمد، هل له توبة؟. فروى البخاريّ عن سعيد بن جبير، قال: اختلف أهل الكوفة، فَرَحلت فيها إلى ابن عبّاس، فسألته عنها، فقال: نزلت هذه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}[النساء: ٩٣] هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء.
وروى النسائيّ عنه، قال: سألت ابن عباس: هل لمن قتل مؤمنًا متعمّدًا من توبة؟ قال: لا، وقرأت عليه الآية التي في الفرقان:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}[الفرقان: ٦٨] قال: هذه آية مكيّةٌ نسختها آية مدنيّةٌ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ}[النساء: ٩٣].
وروى عن زيد بن ثابت نحوه، وأن آية النساء نزلت بعد الفرقان بستّة